أوقات قاسية ومريرة يعيشها أهالي غزة منذ بدء عمليات قصف القطاع في السابع من أكتوبر الجاري على أيدي قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي راح ينفذ مجازره ضد المدنيين على خلفية عملية «طوفان الأقصى»، بل وزاد من جرائمه الحربية ليلة الجمعة من خلال تنفيذ اجتياح بري وجوي عنيف مع قطع الإنترنت والاتصالات عن القطاع بالكامل حتى يتمم الإبادة الجماعية لأهالي القطاع بعيدا عن أعين العالم الخارجي، إلا أنه وفي وسط كل ذلك تمكن بعض مراسلي التليفزيون من إيجاد وسيلة لفضح هذه الجرائم.
ليلة سوداء على قطاع غزة
في الليلة المشؤومة، انقطعت الحياة تمامًا عن القطاع.. ظلام دامس يسيطر على كل شيء، شعاع نور يظهر بشكل مفاجئ بفعل إطلاق القذائف وسريعًا ما يختفي، دوى انفجار في كل مكان يزلزل القلوب، بيوت وأحياء كاملة أصبحت ركاما وحطاما، جثث شهداء ملقاة على الأرض لا تجد من يكرمها، أطفال ونساء وشيوخ وشباب يفترشون الشوارع ينزفون بقوة دون معين أو حتى أمل في إنقاذهم، محاولات اتصال فاشلة بالإسعاف، انعزال تام عن العالم.. ومع كل ذلك انقطع الأمل الأخير بالنسبة لـ أهالي غزة في أن يراهم أحد، وباتوا لا يتطلعون بأعينهم نحو العالم الخارجي إلا ورأوا وابلًا من القذائف يتساقط على رؤوسهم حتى أتقنوا إنها «نهاية الدنيا».
في وسط هذا التخطيط الشيطاني والإبادة الجماعية التي يحاول جيش الاحتلال تنفيذها لأهالي قطاع غزة بعيدًا عن أعين العالم، تمكن بعض مراسلي التليفزيون المتواجدين في القطاع من إيجاد حيلة للتواصل مع قنواتهم ومؤسساتهم الإعلامية ونقل كل ما يحدث في القطاع، وهو ما كشفته مراسلة التليفزيون الفلسطينية إسراء البحيصي، في حديثها لـ«الوطن»، والتي روت أيضًا عن تفاصيل الـ24 ساعة التي عاشها القطاع في ظل انقطاع الإنترنت.
انعزال تام لغزة عن العالم
«كانت ليلة صعبة جدًا علينا وحسينا إنها هتكون آخر الدنيا بالنسبة لنا، أكتر من 24 ساعة محدش فينا بيعرف حاجة عن التاني، زائد إننا انقطعنا عن العالم الخارجي، والعالم بطل يعرف شو بيصير عندنا من جرائم»، وأن أصعب ما في الأمر كان سقوط الشهداء والمصابين بشكل متوالٍ دون التمكن من الاتصال بالإسعاف، فأصبحت الحياة بالنسبة لهم في حالة «شلل تام»، ولم يجدوا وسيلة إلا الاستعانة بالسيارات المدنية لنقل المصابين إلى المستشفى ومن ثم إخبار سيارات الإسعاف بأماكن الشهداء والمصابين للذهاب إليها ونقلها: «سيارات الإسعاف كانت تيجي تلاقي مصابين كتير أصبحوا شهداء».
حيلة مراسلي التليفزيون لكشف ما يفعله الاحتلال في غزة وقت انقطاع الإنترنت
بالرغم من حالة الدمار والعشوائية التي سيطرت على القطاع بالكامل في هذه الليلة، إلا أن «إسراء» وباقي زملائها من مراسلي التليفزيون تمكنوا من إيجاد وسيلة للتواصل مع قنواتهم وفضح ما يحدث على أيدي جيش الاحتلال؛ إذ استعانوا بشرائح هواتف سيليكون إسرائيلية: «وقتها كنا في مستشفى شهداء الأقصى وكانت المشكلة اللي بتواجهنا في الشرائح السيليكون أنها مبتجمعش شبكة، فكان واحد مننا يتطوَّع يمشي لشرق المستشفى حتى يلاقي شبكة، وكان يتواصل مع القناة يقلهم مثلا إن إسراء هتكون على الهواء بعد ربع ساعة، ويجيلي بسرعة يبلغني وفي الوقت المحدد يقولي أقفي قدام الكاميرا وأحكي، فكنت أقف أحكي رسالتي وأنهي رسالتي بدون ما المذيعة تسمعني ولا أنا أسمعها».
بعد ذلك اتفق هؤلاء المراسلون مع قنواتهم أن يظهروا في بث مباشر كل ساعة عبر الـsng؛ إذ كانت وسيلتهم الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي: «بقيت كل ساعة أقف قدام الكاميرا أحكي، وأنا مش سامعة المذيعة ولا هي سامعاني ولكن حاولنا ننقذ الموقف، حاولنا على الأقل ألا نُقتل في صمت، ألا نُقتل في الظلام، حاولنا نبين شو اللي بيصير فينا»، بحسب «إسراء».
«إسراء»: كنا متونسين إن العالم قاعد يشوفنا
عدة ساعات قضاها مراسلو التليفزيون في العمل بتلك الطريقة، حتى عاد الاتصال بالإنترنت في فجر يوم الأحد، وهو ما كان بالنسبة لهم أشبه بـ«عودة الحياة»: «كانت فرحة شديدة جدًا كأنهم قالوا أن العدوان انتهى.. كان يوم صعب جدًا، حسينا بوحدة قاتلة، مش بس إحنا وحيدين، ولكن إحنا وحيدين وقاعدين بنموت بيقتلوا فينا، ويا رب ما تتكرر هاي التجربة تاني؛ على الأقل كنا متونسين إن العالم قاعد يشوفنا».