«الحرب خدعة»، قاعدة من قواعد الحروب على مر العصور ويستطيع بها طرف أن ينتصر على الآخر، ومن أبرز الخدع استخدام الشفرات والأكواد والمراسلة والاتصال بطرق مختلفة بين أفراد الجيش الواحد لنقل الأوامر والتعليمات دون اختراق أو تسريب لها، وهذا الأمر كان عقبة كبيرة أمام المصريين قبيل حرب أكتوبر حتى جاءت فكرة استخدام «اللغة النوبية» لتكون شيفرتهم.
شفرات الجيش المصري
شفرة اللغة النوبية هي اقتراح من أحد الجنود المصريين من أبناء النوبة يدعى أحمد إدريس من قوات حرس الحدود بسلاح الإشارة، خطر في باله هذا الحل عندما وجد قياداته يتناقشون حول الأمر بعدما طلب منهم الرئيس السادات إيجاد طريقة لمواجهة اختراق أنظمة الاتصال والتنصت على رسائل وشفرات الجيش المصري.
اللغة النوبية للنوبة
اللغة النوبية هي لغة أهل النوبة في جنوب مصر وشمال السودان، تتميز بأنها تُنطق ولا تُكتب وليس لها أي مرجعية مكتوبة، انتقلت من جيل لآخر شفاهية وتعد من أقدم لغات الأرض، لذا وجد إدريس أنها حل بسيط للمشكلة ولن تخطر على خاطر العدو ولن يستطيع اختراقها أو فهمها، لذلك عرض الأمر على قادته وهم أوصلوها للرئيس السادات الذي طلب إحضار الجندي في الحال لسماع شرح الفكرة منه.
أحمد إدريس صاحب الفكرة «الجهنمية» يحكي خلال حديثه في الفيلم الوثائقي «الشفرة» الذي أنتجته القوات المسلحة المصرية عن استخدام اللغة النوبية في الحرب، أنه فوجئ بمجموعة من الضباط قاموا بتكبيله بـ«الكلابشات الحديدية»، ظن أنه متهم بالخيانة وسينتهي أمره حتى اكتشف أنه في قصر الاتحادية بالقاهرة، وقابله الرئيس السادات وأوضح له أنه تم استدعاؤه بهذه الطريقة حتى لا يشك أحد في أمره.
بعد عدة أيام طُبقت الفكرة ووزع الرئيس السادات 344 فردا نوبيا من الجيش المصري مع القادة لإرسال واستقبال الإشارات ثم تدوينها لتأمين الاتصالات العسكرية بين أفراد وقادة الجيش المصري قبل الحرب وأثنائها وبعدها، إذ استمر استخدامها حتى عام 1994.
أشهر الكلمات النوبية
من أشهر الكلمات النوبية المعروفة في قاموس شفرات الحرب كلمة «أوشريا» وتعني بالعربية «اضرب» و«ساع آوي» وتعني «الساعة الثانية»، وكانت هذه الكلمات شفرة حرب أكتوبر المجيدة، فهيهم ترجمة ساعة الصفر التي حددتها القادة لاندلاع الحرب.
محمد عمر، أستاذ وباحث اللغة النوبية يوضح أن من مميزات هذه اللغة في ذلك الوقت أنها مجهولة وليس لها حروف تُكتب بها، على عكس الوقت الحالي، إذ أصبح من الممكن كتابتها ودراستها، كما أن هناك نوعان من اللغة النوبية في مصر اسمهما «فاديجكيا» و«الماتوكية»، لهجاتهما متقاربة واستخداما في الحرب.
حتى تكون الشفرات أكثر تعقيدا أثناء الحرب كان يتم التشفير بالعربية ومنها للنوبية، على سبيل المثال الدبابة سميت «تمساح» وبالنوبية «ألوم»، والطائرة سميت «الناموسة» وبالنوبية «زندنابى»، ويضيف محمد عمر أنه اُعتمد في حرب أكتوبر على المتحدثين باللغة النوبية القديمة لأن اللغة النوبية الحديثة تم تعريب العديد من مصطلحاتها، وبالتالي اختراقها وفك شفراتها أمر سهل للعدو.
أحمد غباشي، أستاذ التاريخ الحديث يقول إن استخدام اللغة النوبية شفرة في حرب أكتوبر ضربة قوية للعدو وجزء من الخداع الاستراتيجي الذي لم يُستخدم من قبل، وأيضا سببت خللا للعدو لعدم توقعهم استخدام هذا النوع من التشفير، وهذا بالبطع ساعد على تحقيق الانتصار الذي نفخر به حتى الآن.