على بعد مئات الكيلومترات من صخب القاهرة، تختبئ واحدة من أعظم عجائب التاريخ في واحة سيوة، «جبل الموتى»، الذي يحكي بين صخوره قصة أزمنة غابرة وشعوب خلدتها النقوش والمومياوات، ليكون هذا الجبل الأسطوري ليس مجرد تشكيل طبيعي بل مكتبة مفتوحة على تاريخ يمتد لآلاف السنين، يضم بين جنباته نحو 3000 مقبرة مزينة بأسرار الحضارات «المصرية، واليونانية، والرومانية».
فمن السرداب العجيب إلى مقابر تروي حكايات أغنياء الأغريق وكهنة الفراعنة، يصحبك الجبل في رحلة بين الأسطورة والحقيقة، وسط إطلالات تخطف الأنفاس على كنوز الصحراء الكبرى.
قصة جبل الموتى بسيوة
يُعد جبل الموتى في سيوة، بحسب الخبير الآثري والمتخصص في علم المصريات الدكتور أحمد عامر، لـ«الوطن»، من أشهر معالم المدينة السياحية، ويقع على ارتفاع 500 متر، ويضم نحو 3000 مقبرة وعددًا من المومياوات من الجنسيات المختلفة، ويتميز بتربة ذات طبيعة جيرية.
يضم الجبل عددًا كبيرًا من السراديب، تنتهي جميعها إلى بهو واسع، تمتد منه فجوات مخصصة لدفن الموتى في سيوة الذي يتميز بمنظره العجيب، فمن أسفله إلى أعلاه عبارة عن آلاف المقابر للموتى منحوتة على شكل خلية نحل من الحجر، على هيئة صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه شكل الواحة القديمة، والذي اكتشف صدفة منذ نحو 100 عام.
ماذا يحتضن جبل الموتى؟
مقابر تعود إلى الأسرة الـ26، في الفترة من 664 – 525 ق.م، واستمر البطالمة والرومان في دفن موتاهم في تلك المنطقة، هكذا يؤكد الباحث الأثري أن جبل الموتى يمزج في تصميم مقابره بين الفن المصرى القديم والفن اليوناني، كما يوجد به نقوش ورسومات مختلفة من العصر المصري القديم بحسب الخبير الأثري، وتوجد هذه المقابر على عمق كبير، فكل مقبرة عبارة عن دهليز بشكل مستطيل ينتهي إلى فناء واسع مربع وهذا الفناء يتفرع منه مجموعة فتحات مخصصة لوضع الموتى، ومن أجمل المقابر الموجودة به مقبرة «سي آمون».
تعتبر مقبرة «سي آمون» من بين مقابر جبل الموتى الشهير، وترجع إلى أحد الأثرياء الإغريق والذي كان يتبع الديانة المصرية القديمة وعاش في سيوة ودفن فيها طبقا لتلك الديانة، وتم الحفاظ على تلك المقبرة بشكلٍ جيدٍ، وتحوي المقبرة مجموعة من النقوش البارزة، وتضم رسمًا يمثل الآلهة نات وهي واقفة تحت شجرة الجميز.
كما يضم الجبل مقبرة التمساح الأصفر «مقبرة التمساح»، وسميت بهذا الاسم نسبة للرسوم المنقوشة عليها وهي عبارة عن شكل تمساح أصفر اللون يمثل الإله سوبيك، وتمثل هذه المقبرة هيكلًا أشبه بكهف مكون من 3 حجرات، ولم يتم التعرف على صاحب هذه المقبرة حتى الآن.
ويشير الباحث الأثري، إلى أنّ جبل الموتى يحوي أيضًا مقبرة ميسو إيزيس التي تحوي رسوما ونقوشا جذابة مصبوغة باللون الأحمر، وهو اللون السائد في الفخار المستخدم في سيوة حتى يومنا هذا، وتحتوي هذه المقبرة على تابوت حجري أيضا موضوع على أرضية حجرة الدفن، ويتيح لك الصعود إلى قمة الجبل إطلالات خلابة على واحة سيوة التي شكلت العديد من معالم وكنوز الصحراء الكبرى.
و يقول الدكتور أحمد عامر، إنّ «مقبرة با تحوت» واحدة من أكبر وأقدم المقابر في جبل الموتى، وتتميز بفناء كبير يضم 6 حجرات، 3 حجرات على كل جانب، ومدخل إلى حجرة الدفن في نهاية الفناء والجدار المواجه للمدخل يوجد به صورة للإله أوزوريس «إله البعث والحساب»، وهو جالس على مقعد ومن خلفه الإله تحوت وأمامهما مائدة قرابين يُقدمها صاحب المقبرة، وهو في هيئة كاهن مرتديًا جلد الفهد، لذلك فإنّ الجبل يجذب آلاف السياح بكنوزه وآثاره.