صورة طفلين بالذكاء الاصطناعي
أعقب القصف الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، سقوط عدد غير مسبوق من الشهداء والضحايا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مليون مواطن داخل القطاع، وانقطاع كل سبل الحياة والتواصل مع العالم الخارجي.
وأصبحت تلك الجرائم مادة دسمة للإعلام الغربي لتبرير أفعال الاحتلال، في ظل ما تمتلكه وسائل الإعلام من قدرات تكنولوجية متقدمة وقدرة كبيرة على تزييف الحقائق، إذ جرى تداول صور ومقاطع فيديو مدعمة بالذكاء الاصطناعي بدت لشدة كثافتها الرمزية صالحة بامتياز للدلالة على الألم الذي يعتصر قطاع غزة، لكنها أشاعت بناء سرديا عبر الحسابات الشخصية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي مفاده: «إذا كانت صورهم مختلقة، فهذا إثبات على أنهم يزيفون الوقائع».
تزوير الصور لصالح قوات الاحتلال الإسرائيلي
ويخلق التماهي الكامل مع تداول تلك الصور تناقضات مهمة داخل المجتمعات الغربية، إذ يقول الدكتور حسن مرهج ، خبير استراتيجي في شؤون الشرق الأوسط، إن الصور المفبركة عبر الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في الحرب هي موضوع يستحق النقاش والتفكير، ولابد من التنويه إلى أن الذكاء الاصطناعي يعتبر تقنية متقدمة تستخدم لإنشاء صور وفيديوهات واقعية تبدو كأنها حقيقية، ولكنها في الحقيقة مزورة.
وأضاف أن تقنية الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في سياق إعلامي يعد أمرا غير أخلاقي وغير مهني من منظور إعلامي بحت، لأن هذه الصور وما شابهها من فيديوهات أو غيرها من الوسائط الإعلامية، إنما هي تأكيد أن الإعلام سلاح فتاك يُخشى منه في أي سياق.
زرع الشكوك بين الأفراد
وأشار إلى أنه يمكن استخدام الصور المفبركة لإثارة الانزعاج أو نشر أخبار كاذبة بهدف التأثير على المجتمعات المستهدفة، وتوظيف الصور المفبركة عبر الذكاء الاصطناعي في الحرب يثير قضية خطيرة من حيث التأثير على المجتمعات والأفراد، فهذه التقنية قادرة على خلق صور تبدو حقيقية بشكل لافت للانتباه، ما يؤدي إلى انتشار المعلومات غير الصحيحة وزرع الشكوك بين الأفراد.
وتابع: «يظهر استخدام هذه التقنية في سياسات التضليل والإشغال، حيث يُستغل تأثير هذه الصور المزورة لإخفاء أحداث حاسمة أو لإظهار أحداث غير صحيحة بهدف تغطية الجرائم، لذا من المهم أن نسلط الضوء على هذه المسألة وأخلاق استخدام التكنولوجيا، ويجب على المجتمعات والحكومات اتخاذ إجراءات لضبط استخدام هذه التقنية في سياسات الترويج للاستقرار والسلام، ورفع مستوى التوعية بشأن خطورة استخدام صور مزورة عبر منصات التواصل الاجتماعي».
كشف الكذبة في سياق الفبركة
وفي ما يتعلق بالحرب على غزة، أضاف أنه يُفهم من استخدام بعض الصور سواء لأطفال أو مباني مهدمة، أو حتى لعائلة منكوبة، على أنه توظيف في سياق الحرب للتأثير إنسانيا على المجتمعات الغربية تحديدا، لكن ثمة الكثير من الصور الحقيقية والتي لا تحتاج في الواقع لأي تقنيات، وتحقق المطلوب إعلاميا وإنسانيا، وما بين الحالة الأولى والثانية تضيع الكثير من المفاهيم، إلى حد انقلاب المشهد من بعده الإنساني إلى سياق الفبركات، وبالتالي فإن الغرب أو الإعلام الغربي يعمل في سياق كشف الكذب وفبركة تلك الصور، للقول بأن ما يحدث في غزة يبدو غير حقيقي، وهذا يعمل على تجميل صورة الطرف الثاني، أي إسرائيل.
وتابع: واقع الإعلام الحالي يتطلب الكثير من المصداقية، لكن وصل الأمر إلى حد المتاجرة بآلام الآخرين، وهذا يُفقد الإعلام هدفه السامي والأخلاقي والإنساني، من هنا علينا جميعا الابتعاد قدر الإمكان عن تلك الفبركات، والاعتماد على الحقائق فقط، ولابد من التنويه إلى أنه ثمة الكثير من الصور الواردة من غزة والتي تروي المعاناة الحقيقية، ولا تحتاج إلى أي تعديل.
الذكاء الاصطناعي التوليدي Stable Diffusion
ومن جهة أخرى، قال خضر غليون، متخصص في الذكاء الاصطناعي، إن تلك الصور المنتشرة مصنوعة باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي Stable Diffusion وإعطاء المطالبات المناسبة، تمكن من إنشاء صور مماثلة، والغرض منها ليس لاستعطاف العالم تجاه القضية الفلسطينية، بل لتشكيكها في الغرب، ما ينعكس سلبًا على الجهود في المجالين التوثيقي والإعلامي.
وأضاف أن إغراق السوشال ميديا بصور من هذا النوع يجعل التمييز بين الحقيقي والمختلق صعبا على كثير من المستخدمين، بحيث يغيب الفاصل بين الواقع والخيال ومعه القدرة على متابعة الأحداث بدقة.