بتركيز شديد يجلس الرجل الخمسينى ببشرته السمراء وملامحه البسيطة وجسده الممتلئ نسبياً داخل محله، ومن أمامه قطعة نحاسية مستديرة، يُشكل عليها رسومات فنية جميلة باستخدام أزميل وشاكوش، وهو ما يُعرف بـ«فن الحفر على النحاس»، تلك الحِرفة التى رغم قلة رواجها حالياً نتيجة لهيمنة الحداثة والتطور التكنولوجى، لكنها ما زالت تحتفظ بعدد من الفنانين والهواة.
مهنة الحفر على النحاس
من وسط انهماكه فى تشكيل رسوماته الفنية على قطعة النحاس، بدأ محمد رضا الشهير بـ«الشيخ عصام» يروى لـ«الوطن» بدايته مع مهنة الحفر على النحاس، فهو من أبناء حى الجمالية بالقاهرة، وبدأ تعلُّم فنون هذه المهنة، وهو فى السنة العاشرة، على أيدى «معلمين» كبار ذوى اسم وصيت، ورغم اقتصار دوره فى البداية على إحضار الطعام لمعلميه، إلا أنه خلال 5 سنوات فقط أصبح «مُعلماً» لهذه الحرفة له اسمه بين أرباب المهنة، ويتحول النحاس بين يديه إلى قطعة صلصال ليّنة أو ورقة ناعمة يشكل عليها ما شاء من رسومات.
«بييجى لنا النحاس خام وإحنا بنقطّعه ونشكل عليه الرسومات اللى إحنا عايزينها»، ومن هنا جعل «عصام» أغلب رسوماته ونقوشاته مستوحاة من الفن الإسلامى والنقوشات الموجودة على جدران المساجد، إلى جانب تشكيل كلمات أخرى على القطع النحاسية، سواء كانت أسماء أشخاص أو آيات قرآنية أو كلمات من أغانٍ تراثية.
أدوات الحفر على النحاس
أزميل حديدى يُشبه القلم، وشاكوش صغير، وبرجل حديدى مُدبّب من الطرفين، ومسطرة، وقلم رصاص هى كل أسلحة الرجل الخمسينى فى سبى القطعة النحاسية وإخضاعها لتشكيل ما يريد، ويبدأ تشكيل القطعة النحاسية بمرحلة الرسم والتخطيط، ومن ثم الحفر، وبعدها الصنفرة والتلميع، ليتم إدخالها بعد ذلك إلى المخرطة لضغطها وتكوين انحناءاتها اللازمة، وأخيراً تلوينها.
«رغم أن زباينها قليلين دلوقتى لكن باستمتع جداً وأنا شغال، وأكتر حاجة بتفرّحنى لما حد يشوف شغلى ويقول لى الله ينوَّر»، حسب «عصام»، وأنه يعتمد على هذه الحرفة كمصدر دخل له، وينوى توريثها لأولاده من بعده.