ورشة بسيطة تخلو من مظاهر الترف، إلا مقعد خشبي يجلس عليه «حازم»، ساعات طويلة من يومه، غارقًا بين أكوام من الحديد، أدوات الطرق الثقيلة المبعثرة من حوله حفظ طريقها، فلا يهتم بترتيبها، يبدأ في تسخين كتلة الحديد يطوعها ليبدأ في تشكليها بيديه، فتتجلى ندوب تركتها مهنته على كفيه، وتركت أثارها في راحة يديه، خطوات محددة ينفذها الشاب الثلاثيني بصبر شديد، حتى يخرج من تحت يديه قطع منحوتة بحرفة عالية، لا تُغري إلا من أحب هذا الفن النادر.
هواية من الطفولة
منذ أن كان طفلا في السادسة من عمره، اعتاد «حازم عبد الراضي» ابن منطقة بشتيل بمحافظة الجيزة، الوقوف بين كتل الحديد، يراقب شقيقه الأكبر وهو يعمل بتركيز شديد، يتعلم منه كيف يشكّل المعدن ليصنع منه أبواب وشبابيك تبهر الناظرين إليها، مهنة شاقة شغفته حبًا وبات بارعًا فيها بمرور الوقت، تخطت بالنسبة له مهنة يمارسها لكسب المال، يقول في بداية حديثه لـ«الوطن» عن صنعة الحدادة.
حداد بدرجة فنان
كبر الطفل الصغير وبات شابا يافعا، واتخذ«حازم» صاحب الـ39 عاما، قرارا بالعمل في نفس مهنة أخيه الأكبر ولكن بحرفة أكبر، اختار أن يكون حدادا بدرجة فنان، يشكّل المعدن دون استخدام آلات، «شغلي بدون لحام بدون ماكينات، كل حاجة بعملها هاند ميد من الألف للياء عكس الشغل التقليدي اللي معمول باللحام»، هكذا يصف مهنته التي اختارها وأحبها.
رحلة تصنيع أي قطعة تبدأ من شراء كتلة الحديد من منطقة «السبتية» المشهورة ببيع الخردة والحديد، بمجرد أن يأتي بها إلى ورشته الكائنة بمنطقة بشتيل بالجيزة، يبدأ في تشكيلها بيده مستخدما حرارة النار لتطويعها كيفما شاء، «بسخن الحديد عشان يطرا شوية وابدأ أشكله وأنحته على مزاجي بالأشكال اللي عايزة زي النحات على الخشب» بحسب قوله.
أنتيكات وأبواب مزخرفة من الحديد
في الطبيعي، يستغرق تشكيل الأبواب والشبابيك المعدنية من الحدادين قرابة عشرة أيام، أما «حازم» يستغرق في صنع الباب الواحد نحو ثلاثة أشهر، يشكل كل جزء بيده دون الاستعانة بآلة أو لحام، كما يروي، يحتمي من حرارة النار بحذاء وقفازات و«مريلة» جلد، «الهاند ميد بيحتاج جهد ووقت أكبر والزبون اللي غاوي الشغل ده بيقدره وبيقدر سعره»، بحسب تعبيره.
ليست الأبواب والشبابيك المعدن المزخرفة هي الأشياء الوحيدة التي يجيدها الشاب الثلاثيني، بل يبدع في تشكيل أنتيكات ومنحوتات ديكور من الحديد، «بعمل كل حاجة بإيدي، وبنحت أشكال تعبر عن حكايات» حيث أبدع في تشكيل منحوتة معدنية تجسد الحرب والسلام لمحبي هذا النوع من الفن.