طفل صغير يُدعى «نديم» لم يكمل عامه السادس، خرج في نزهة رفقة والدته وأشقائه بإحدى مناطق الألعاب المائية في مدينة تولوز بـ فرنسا، لكنه تعرّض لحادث غرق أفقده حياته قبل أسبوعين من عيد ميلاده الذي يحل في الثامن عشر من أغسطس الحالي.
«نديم» توفي بعد 15 يومًا داخل المستشفى
الدكتور الأردني أحمد السليمان، يروي لـ«الوطن»، كواليس الحادث الذي أفقده نجله الأوسط «نديم» خلال الشهر الماضي عندما خرج في نزهة مع والدته وأشقائه، وفي أثناء اللعب بإحدى برك المياه الموجودة داخل منطقة الألعاب المائية اختفى عن الأنظار في غضون ثوان، يحكي الأب: «بقوا يدوروا عليه في المياه وملقهوش لا برة ولا جوة وحاولت زوجتي تتواصل مع المسؤولين وبعد شوية لقوه غرقان في المياه، حاولوا يعملوا له إنعاش في مكانه بواسطة الدفاع المدني وبعدين نقلوه ع المستشفى بالهليكوبتر».
الدكتور «السليمان» مقيم في فرنسا، ويعمل أستاذًا في جامعة تولوز، ولم يحالفه الحظ أن يرى نجله قبل وفاته بسبب ظروف سفره إلى الأردن وقت الحادث، وعندما استقبل الخبر استقل 3 طائرات حتى يلحق بابنه الذي مكث حوالي 15 يومًا في العناية المركزة: «في المستشفى تم إدخاله في غيبوبة صناعية عشان تخفف التشنجات وقعد حوالي 15 يوما، وجميع الأدوية ما كانت مفيدة وكان عنده تلف في الدماغ لأنّه قعد في المياه حوالي 15 أو 20 دقيقة».
وعلى مدار 15 يومًا عانى الصغير «نديم» من صعوبات في التنفس وتوقف وظائف الدماغ والقلب حتى أعلن طاقم الأطباء وفاته مطلع الشهر الحالي، وخلال هذه المدة لم يستعد «نديم» وعيه أبدًا سوى تحريك عينيه من الألم وأحيانًا رجله: «نديم طول الـ15 يوم مفاقش أبدًا ولا اتكلم معانا، وكان ساعات بيحرك رجليه وبيفتح عينيه من الألم لأنّه كان شبه متوفي دماغيًا».
كان الأب يستعد للاحتفال بيوم ميلاد «نديم» يوم 18 أغسطس، إلا أنّه استقبل خبر وفاته كالصاعقة، مؤكدًا أنه سيتم مقاضاة المسؤولين عن مدينة الألعاب بتهمة التقصير والإهمال، بالإضافة إلى بلدية المنطقة المسؤولة عن البركة: «إحنا عاملين حملة تبرعات وحملة إعلامية في فرنسا على منطقة الألعاب لأنّ بعدها بيومين حصل حادث غرق في نفس المكان».
«نديم» رفض النزول للمياه واستجاب لطلب والدته
اللحظات التي سبقت وفاة الطفل كانت مراقبة بالكاميرات، ورصدت لحظة غرق الطفل على الرغم من ارتدائه كتافات السباحة المضادة للغرق في كلتا يديه، إلا أنّ عمليات تأخر إنقاذه من قبل المسؤولين كانت السبب الرئيسي في وفاته، يقول «السليمان»: «نديم كان شقي شوية بس مش في المياه لأنّه كان بيخاف كتير منها ومستحيل ينزل يعوم من غير ما يحط الكتافات، وزوجتي قالت لي أنا لما شوفت المياه مرتاحتش وهو كمان كان خايف ينزل وقالها المياه باردة وهي حاولت تقنعه، ولما شاف الأولاد نازلين نزل معاهم وكان كتير مبسوط».
ونعى الأب نجله «نديم» بكلمات مؤثرة على صفحته على فيس بوك قائلًا: «يوم ولدت 18-8-2017، ما كنت أعلم أننا ذات يوم سنفترق، وأن عيني ستدمع من أجلك.. كنت أحسب دوما أن أجلي سيحين قبل أجلك، ولم أكن أعلم أن قلبي عليك من الأشواق سيحترق، ولدي قتلوك وقتلوني، ومزقوا كبدي حزنا على حبيب عشت من أجله وعشت له، مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات.. ومقصوصة، كجناح أبيك، هي المفردات، فكيف يغني المغني؟ وقد ملأ الدمع كل الدواة.. وماذا سأكتب يا بني؟ وموتك ألغى جميع اللغات.. لأي سماء نمد يدينا؟ يوم فراقك 4-8-2023».
والدة الطفل بيان البيطار، نعت طفلها ببعض الكلمات أيضًا عبر صفحتها على فيس بوك، وأرفقت كلماتها بصورة لـ«نديم» قائلة: «نسمة حياتي.. هكذا اعتدت أن أناديك محاربي الأول.. الحكواتي.. صفة خاصة بك، سأشتاق لحكاياتك التي لم تكن تنتهي، فكنت أقول لك أرجوك كُل أولا يا نديم ثم احكي ما شئت من حكايا.. سأشتاق أن تأتي إليّ عندما أكون متعبة وتقول لي: ماما بدك أعملك مساج 30 دقيقة؟ وأنا أجيبك: طبعا. سأشتاق أن تأتي بالمشط وربطة الشعر والعطر والأساور فتقول لي: ماما بدي أعملك حلوة. سأشتاق أن تأتي إلي سائلا: ماما هل كنت عاقلاً اليوم لأستحق بطاقة تشجيعية؟ فأقول لك: أجل، فتهتف شاكرا ومعانقا لي. سأشتاق كلامك المعسول؛ ماما أنتِ حلوة.. ماما بحبك.. ماما أنتِ فنانة.. ماما أكلك زاكي بتطبخيلنا بحب.. سأشتاق لضحكاتك الصاخبة.. لنشاطك المفرط.. لحنّيتك.. لكل ما فيك.. كم كنت فخورة بك، بشخصيتك الرائعة، بقلبك الكبير جدا جدا».
واستكملت الأم كلماتها قائلة: «الجميع يعرف كم تحب الأم طفلها لكن لن أستطيع أن أصف نكهتك الخاصة.. نكهة نديم، كنت قد قلت لك ولإخوتك أن لكل منكم نكهة خاصة لا تكتمل الحياة إلا بها. شاء الله الرحيم الودود أن يبتليني بفراقك، وأنا حاولت أن أساومه جلّ وعلا بالدعاء والرجاء، كنت أدعوه بيقين الإجابة وقلبي متيقن في الوقت ذاته أنه سيختار الأفضل.. أتعرف يا نديمي أنّ الله يحبك أكثر مني لذلك اختارك أن تكون بقربه وله الحمد من قبل ومن بعد. مما يواسيني أن جميع من حولك يذكرونك بضحكاتك وحلو كلامك.. وأنّ هذا المصاب جمع قلوباً كثيرة لتدعوا لك من ديانات وثقافات مختلفة وتتصدق باسمك وتقرأ القرآن بنية شفائك.. جاء هذا المصاب ليذكرنا أنّ هذه الحياة هي الحياة الدنيا وأنّا فيها عابرون مستخلفون.. أحبك حبًا جمًا.. ماما بيان».