قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة القاضي عياض بمراكش، إن “مشروع الحكم الذاتي لقي استحسانا من لدن منظمة الأمم المتحدة، ودول العالم، والنخب الصحراوية داخل منظمة جبهة البوليساريو المتطرفة، ما جعل العديد من هذه القيادات تقرر العودة إلى أرض الوطن، نتيجة القناعة بأن المغرب أبدى جدية ويقوم بدور تنموي بالأقاليم الجنوبية”.
وأضاف لكريني خلال مداخلته في ندوة علمية نظمت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، الخميس، حول “قراءات في تطورات قضية الصحراء المغربية على ضوء قرارات مجلس الأمن الدولي”، أن “ما يحظى به المغرب لدى مجلس الأمن ومعظم دول العالم، من مكانة معتبرة، ليس صدفة، بل نتاج جهود بذلها البلد، من قبيل تعاونه مع بعثة المينورسو”.
وتابع المتحدث ذاته، الذي يشغل مديرا لمختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، ورئيس منظمة العمل المغاربي: “يأتي استحسان مقترح الحكم الذاتي من كونه تجربة مبنية على التفاوض، ويمكن الساكنة من تدبير شأنها العام، ردا على أوهام استغلال الثروات الطبيعية، ويستند إلى مؤسسات تشريعية وتنفيذية بميزانيات مالية، ويضمن الحريات والحقوق”.
ومن الأسباب التي جعلت منظمة الأمم المتحدة تقبل بمشروع الحكم الذاتي، يضيف الباحث ذاته، أنه “طرح في مرحلة حرجة بالنسبة للعلاقات الدولية، حيث سادت مخاوف من اندلاع النزاعات المسلحة مباشرة بعد أحداث شتنبر سنة 2001، وتداعيات ذلك على انتشار الإرهاب بالقارة الإفريقية، ما جعل الدول والمنظمات الدولية تعي ضرورة الحد من انتشار الفروع الجديدة للحركات المتطرفة، بعد الحرب على أسامة بن لادن و’داعش’، ولأنه أنقذ هذه الهيئة الدولية والقانون الدولي من نزاعات الانفصال التي تهدد الدول، حيث رفض بالنسبة لكردستان العراق وكاتالونيا بإسبانيا؛ لأن خيارات الانفصال تؤدي إلى متاهات وضد الاستقرار والتنمية، فجنوب السودان لم تحصد منه سوى الويلات”.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي أن “الكثير من الدول ترفض خيار الانفصال وبلقنة الدول، لأنه مغامرة غير محسوبة العواقب، لذا غيرت المملكة المغربية طريقة تعاطيها مع القضية الوطنية من الدفاع إلى الهجوم، من خلال دبلوماسية الخطوط الحمراء، باعتبارها تحدد مسار المغرب ومصالحه ومنطلق علاقاته الدولية؛ فلم يغفر لبان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة سابقا زلته، عندما استعمل كلمة ‘الاحتلال’ في تناوله لملف الصحراء المغربية، معتبرا الأمر خرقا للقانون الدولي وللأعراف المعمول بها”.
ومن آليات الخطوط الحمراء، يورد لكريني، “إفشال إدارة الأزمات، كأزمة الكركرات، وتدبير الخيار العسكري الذي تم في إطار حق الدفاع الشرعي، ورفض التدخل الإنساني، لأن المغرب يتوفر على مؤسسات حقوقية تقوم بدور المراقبة، ورفض الشراكة الانتقائية كما وقع مع إسبانيا وفرنسا وألمانيا وتونس”، مشيرا إلى أن “قرارات مجلس الأمن لم تعد تتحدث عن الاستفتاء، وتقر بالهدوء الذي يعم الأقاليم الصحراوية، والتأكيد على ضرورة احترام قرار وقف إطلاق النار”.
وعلاقة بالموضوع ذاته، تناول الباحث في الدراسات الدبلوماسية والإستراتيجية الغالي الغيلاني “مكتسبات الدبلوماسية المغربية، من قبيل القرار الأممي 2703 الذي رفع يد الجمعية العامة عن هذا الملف، وأقر بأنه لا يدخل في إطار الاستعمار، كما حدد الأطراف المعنية، وعلى رأسها الجزائر، مع تأكيده على سمو مبادرة الحكم الذاتي وتحديده معايير الحل الواقعي والدائم، ودعا إلى دعم مجهودات المغرب، وأبطل اللعب بورقة حقوق الإنسان”.
أما عبد الفتاح نعوم، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، فتناول مسألة المنطقة العازلة، مشيرا إلى أن “المغرب نجح في مقاربته من خلال تقديم كل المساعدات التي تحتاجها بعثة المينورسو، التي تتعرض للمضايقات من طرف جبهة البوليساريو، التي تحاول تغيير معالم هذه المنطقة وتسميتها المنطقة المحررة، ومثلها من الممارسات، كالحديث عن تصفية استعمار، ما جعل المغرب يهدد بإمكانية التدخل لتدبير المنطقة العازلة”.
وأوضح نعوم خلال تدخله أن “المغرب لا يربطه أي اتفاق مع جبهة البوليساريو، لأن كل ما وقعته هذه المنظمة المتطرفة تم مع الأمم المتحدة”، مشيرا إلى أن “البوليساريو والجزائر لم يتبق لهما سوى بديلين، الأول يتمثل في تهديد المنطقة بكاملها، والثاني يتجلى في مراهنة الجزائر على مصنع التخمر البشري بمنطقة تيندوف، التي أضحت تشكل ‘مجتمع البدون’، فهي منطقة مختلطة من كافة الأجناس الإفريقية، وهذا سيطرح أمام الأمم المتحدة واقعا جديدا”.
يذكر أن هذه الندوة العلمية نظمت بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، وفي إطار منتدى الترافع الأكاديمي حول الصحراء المغربية، من طرف مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، بشراكة مع مختبر الدراسات والأبحاث الجنائية والإدارية، ومختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، التابعين لجامعة القاضي عياض.
المصدر: وكالات