قالت المسرحية لطيفة أحرار، المديرة الجديدة للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، إن طريقها إلى الركح مهّده في طفولتها الأدب والخيال، على الرغم من أن مسقط رأسها إموزار مرموشة لم تكن تصله حتى الحافلة، قبل أن تستدرك قائلة بعرفان إنه رغم ذلك “وصلَ البلدةَ المسرحي عبد الحق الزروالي”.
جاء هذا في لقاء استقبله، مساء الأربعاء، رواق باب فاس بسلا، وطرح أسئلته الناقد الحسين الشعبي في إطار فعاليات المعرض الجهوي للكتاب الذي تستقبله المدينة، وذكرت فيه أحرار أن مسارها من بلدة جبلية إلى معهد المسرح بالرباط الذي درست فيه ودرست فيه وتديره الآن هو الأدب؛ “فقد كان تينيسي ويليامز صديقي ولو لم يكن يعرف ذلك، وكذلك محمد شكري الذي صادقته حقيقة فيما بعد، والطيب الصديقي وولي سوينكا… كما كانت تصلنا القنوات الفرنسية والإسبانية، وقناتان جزائرية ومغربية”.
و”حتى إذا لم تكن الوسائل”، ذكرت لطيفة أحرار أن “المخيال” وسيلة حقيقية، وعبر اشتغال الخيال، خيالِ الطفلة، يمكن مجالسة ومرافقة كبار الأدب والمسرح والفنون.
وذكرت المتدخلة أن المسرح “تسلية وفرجة قد يكون فيها موقف سياسي، ونضالي، وموقف من الحياة والموت”، ثم تابعت: “المسرح هو الحقيقة، رغم جمال السينما، ولو أن هذه الأخيرة عبر الاشتغال بشقها الوثائقي وجدتُني أمام نفسي، بفضل عظمة شخوص الواقع، التي تجعل الإنسان يسائل أفكاره حول نفسه؛ من حب لأن يُرى، وأن يعرفه الناس، وأن يُشاهد في السجادة الحمراء، كما حدث في بداية مساري”.
وحول اختيارها لـ”المونودراما”، قالت أحرار إنها “تحب التجريب”، وزادت: “في المسرح يكون الإنسان لوحده، ولو كان في قلب الناس (…) ويتطلب منه العرض حضور النص والذاكرة والركح؛ فالمونودراما فن متطلب، وإذا سقط الإيقاع لحظة يمكن فقدان انتباه الجمهور”.
وتحدثت المسرحية عن “القُرب الحقيقي” لأبي الفنون: “عرقك الحقيقي، خطأك، قلقك… المسرح يقدم فرصة السؤال الذي لا تجيب عنه الخشبة بالضرورة (…) ويقدم فرصة الاشتغال مثلا على ما ضرني في الطفولة، برد فعل محسوب، مُفَكر فيه، لإثارة قضايا حارقة في المجتمع ومسكوت عنها”.
وجوابا عن سؤال جدل مسرحية “كفرناعوم” الذي يعود إلى أزيد من 13 سنة، قالت لطيفة أحرار: “لم أظن أنني سأعيش الجدل، لم أظن بأن في بلدنا مثل أصوات الترهيب والتكفير والتهديد بالقتل التي ظهرت، ولو أن الاختلاف مهم وضرورةٌ؛ إلا أن المفترض أن من لم يعجبه أمرٌ يمكنه الاحتجاج في الشارع أو بمقال، دون مس بسلامة الآخر أو بعرضه أو كرامته”.
وواصلت: “خفت على عائلتي أكثر، لكني متشبثة بما قمت به فهو علمي ثقافي مسرحي، مبررٌ (…) لكن المسرحية حركت مياها راكدة، ووصل النقاش حولها حتى البرلمان (…) ودعتني إلى الخروج من الاقتصار على المسرح داخل القاعة إلى مجالات (أوسع) لدمقرطة الكلمة والإبداع”، ثم استرسلت قائلة: “الحرية متبادلة طبعا، فكما أن هناك حرية الإبداع هناك حرية القبول وعدم القبول؛ لكن باحترام”.
وحول متابعتها ما ينشره المغاربة رقميا، مثل “روتيني اليومي” وضحت أن مقصده “فهم هذه الحركية، ولِمَ يشاهد الناس شيئا ولا يشاهدون آخر، لفهم الجدوى”.
وقدرت المسرحية أن “الحرية أداة”، ورغم أن “وسائل التواصل” الرقمية قد “أعطت حرية”، فإنها لا تزال تتطلب بناء في النفوس عبر “القراءة، والاحترام، والتربية على الأخلاقيات دون حجر على الفكر”، فحتى ولو كانت الحرية موجودة فـ”هل هي في مكانها؟ لأن السيارة يمكن أن تنقلك من مكان إلى مكان كما يمكن أن تَقتُل بها. لا للحجر على الناس، لكن عبر الورشات والتكوين ينبغي بناء الحرية في حقيقتها”.
وعادت أحرار إلى المسرح بوصفه “إبداعا شاملا، نابعا من الإنسان، يُغذي ويتغذى”، وبوصفه “تعبيرا عن المجتمع بالترفيه، والنقد، والتربية الفنية والذوقية”، لتقول إن وظيفة فنون الشارع والمسرح لصيقة بالإنسان “تعبر عن هواجسه وتُربيه، بشخصيات ليست بالأبيض أو الأسود، بل بأطياف لون الإنسان؛ هذا ما يعكسه المسرح. هو صناعة تشغل ترسانة لا تظهر فوق الخشبة، وتخترق المواضيع والأساليب (…) وتمكن من التطهير النفسي (كاثارسيس)”.
أما الطفل الذي تراه المتدخلة “من المبدعين الكبار في العالم لأن قاموسه ليس فيه حشومة (عَيب) وحرام”، فقد قالت إنه حينَ يقرأ المسرح “يكبر متوازنا، ومنفتحا على الآخر، وقادرا على تقبله وتقبل حرياته الفردية”؛ لأن “المسرح يعالج الفرد، والمجموع، ويحفظ ذاكرة التاريخ في دائرتَيه الصغرى أو الكبرى”، و”مسرح المواقع” مثلا ذو وظيفة سياحية تسلط الضوء على الأماكن، و”مسرح النص” يستحضر الشعر والأدب، وكذلك أنواع مسرحية أخرى لها وظائف متعددة؛ مما يتطلب “استثمارا في الإنسان والموارد، من أجل صناعة تخلق الفرجة ولقاء الناس، وتمكن من ذوبان جنسياتهم في جمهور يشاهد العرض”.
المصدر: وكالات