يلازم مسار عماد السعودي التطور منذ النشأة في ضواحي بني ملال، وإن كان التطور الأكبر يلوح للعلن متسارعا أكثر بعد الاستقرار في كندا، مع مطلع العشرية الثانية من الألفية الحالية، إلا أن الجهد الأكبر يبقى مرتبطا بفترة الانتقال من حيز القرية إلى عيشة المدينة، مثلما يلازم مرحلة التكوين العالي كي يتكلل التحصيل الدراسي بدبلوم مغربي مرموق في الهندسة الصناعية.
يتولى المفاخر بأصله المغربي مهام مسؤول في شركة دولية رائدة ضمن المجال الصناعي بكل من كندا وأمريكا، ويحرص على الارتقاء بأدائه المهني في ظل تطورات تكنولوجية يومية تجعل العاجزين عن المواكبة يتخلفون عن الركب. ولأنه يستحضر أن العيش لا يعني الخبز دائما، يحرص السعودي على الانخراط في أداء جمعوي يعرّف بالانتماء إلى المغرب ويعزز الصداقة مع الكنديين.
مهندس دولة
رأى عماد السعودي النور في منطقة أولاد عياد في إقليم بني ملال سابقا، وقد أضحت حاليا تابعة إلى إقليم الفقيه بن صالح وفق أحدث تقسيم إداري في المغرب، منتميا إلى أسرة متوسطة الحال، وترعرع تحت كنف والديه بمعية 5 من إخوته، كما استهل الدراسة في المنطقة نفسها قبل أن يستكملها بمدينة بني ملال.
يقول عماد: ‘’حصلت على الاهتمام المطلوب في أسرة لأتطور جيدا في الدراسة، وقد كان أبي تقنيا في شركة كوسومار، المتخصصة في إنتاج السكر، إلى جانب ممارسته الفلاحة أيضا في ذلك الوقت، بينما إكمال التعلم دفعني إلى الانتقال نحو بني ملال، والمكوث في فضاء ثانوية تقنية كي ألج شعبة العلوم الرياضية وأحصل على شهادة الباكالوريا’’.
على نهج التميز سار السعودي في المرحلة الموالية لنيل الباكالوريا، إذ أقبل على التكوين في الأقسام التحضيرية لولوج المؤسسات العليا للتعليم العالي، ثم ظفر بفرصة لدراسة الهندسة في إقليم النواصر، بحيث استوفى مسار العبور من أكاديمية محمد السادس الدولية للطيران المدني حتى تخرج ‘’مهندس دولة’’ بحلول سنة 2010.
امتداد تكويني منطقي
يعترف عماد السعودي بكون إقباله على الهجرة قد حضر دون سابق تخطيط، وأن الفكرة قد حضرت باقتراح من أحد زملاء الدراسة كي يتم استكمال التعليم في كندا، ليلتحق الاثنان بموعد تواصلي نظمته جامعات كندية في مدينة الدار البيضاء، رغبة في الحصول على المعلومات المتاحة، وبعدها تسلم بريدا يشرح كيفية تقديم الطلبات ومساطر القبول.
‘’لم أكن قد أخذت قرارا نهائيا حين تقدمت بالطلب، لكنني توصلت لاحقا بجواب إيجابي كي أستفيد من برنامجين تكوينيين، وحينها شرعت في التفكير بكيفية جدية ضمن هذه الخطوة الجديدة، وقد شجعتني أسرتي على التحرك نحو كبيك بنية الانخراط في ماستر لإدارة الأعمال’’، يذكر عماد.
يعتبر السعودي أن هذا الانتقال، حتى إن كان غير محسوم من البداية، يبقى امتدادا منطقيا للتخصص الذي اختاره لنفسه في التعليم العالي، ويتماشى مع استيفاء التكوينات النظرية والتطبيقية التي تتطلبها مرتبة مهندس دولة، بينما رهان العودة إلى المغرب بقي حاضرا على الدوام وإن تأجل مرارا بحكم الالتزامات المهنية اللاحقة.
رفع التحدي المزدوج
اتجه عماد السعودي إلى جامعة رافال من أجل ‘’MBA’’ في ‘’سلاسل التزود’’، ذي صلة بتكوينه الأساسي في الهندسة الصناعية، لكن التحدي صار مزدوجا حين قرر الوافد من المغرب أن يتكفل بمصاريفه الدراسية كاملة، ويعفي أسرته من الثقل المالي الناجم عن عيشه خارج الوطن الأم، لذلك حاول أن يجمع بين التقدم في الدراسة والالتزام باشتغالات توفر المردود المادي المطلوب.
ويعلق المنحدر من اولاد عياد على ما جرى قبل 13 سنة بقوله: ‘’كانت المعلومات شحيحة وقتها، ولم أعرف تماما كيفية القيام باللازم من أجل التسجيل واكتراء السكن، لكن حسن الحظ جعلني ألتقي بأحد المعارف الذي سهل الأمر نسبيا؛ إنها صعوبات البداية التي لا بد منها في الهجرة، لكن الاستئناس يحضر لاحقا لتصير مجرد ذكريات’‘.
‘’أخذت في البحث عن عمل بعد يومين من وصولي، فقد كان من حقي كطالب أن أعمل 20 ساعة أسبوعيا داخل فضاء المركب الجامعي، ورغم انتشار البطالة وقتها إلا أنني توفقت في نيل فرصة اشتغال في مكتبة’’، يضيف السعودي قبل أن يواصل ضاحكا: ‘’أتذكر أنه جرى تكليفي بصندوق الدفع رغم عدم معرفتي التعامل السلس بالفئات النقدية المتنوعة للدولار الكندي، لذلك كنت أستغرق وقتا طويلا في إتمام المعاملات مع الزبائن حتى حضر الاعتياد’’.
الثابت وتوالي التحولات
انطلق المسار المهني لمهندس الدولة المغربي من مصنع متخصص في منتجات البلاستيك، ثم ظفر بفرصة للاشتغال محللا للأنظمة في شركة مرتبطة بأداءات بيولوجية صيدلانية، ولاحقا قبل الانتقال إلى ‘’كاسكاد’’، وهي مجموعة متخصصة في منتجات أبرزها مرتبط بالورق، تتوفر على ما يعادل 90 منشأة صناعية وتنتشر في مناطق كثيرة بأمريكا الشمالية.
عبر عماد السعودي من رقمية الحاجيات الخاصة بمجموعة ضامة 30 مصنعا، مطورا مشروعا للتعامل مع جمع الحاجيات بكيفية إلكترونية، ليستفيد في المرحلة الموالية من ترقية تجعله مديرا للتخطيط والتوزيع في مجموعة تصنيع تشمل 4 منشآت في أمريكا الشمالية، اثنان منها على التراب الكندي.
وواصل التطور في ‘’كاسكاد’’ من خلال إعادة النظر في التعامل مع مصلحة الزبائن وخدمات ما بعد البيع، ثم انتقل إلى وضع نظام خاص بمسايرة توقعات المبيعات لوضع سيناريوهات تتيح عقلنة العمل والنجاعة في الطاقة الإنتاجية.
‘’لم أغير الشركة بقدر ما تحولت في المهام نتيجة الحصول على ترقية تلو الأخرى، بينما همت الاشتغالات منتوجات متنوعة تتأرجح بين البلاستيك والورق والكرتون، لأصل حاليا إلى التخصص في الاستثمارات. وبذلك، أعمل على رصد المستجدات في سوق التكنولوجيات وتقنيات الإنتاج، وأصير مطالبا بأنشطة تهم الدراسة والتحليل يجب تقديمها كي تتم الاستفادة في وضع الاستراتيجيات المستقبلية’’، يقول السعودي.
استمرار الطموحات
يرى مستجمع عقد ونيف من الحياة في كندا أن طموحاته المهنية متواصلة، إذ يعتبر أن أداءه المهني يشبه تقديم الاستشارة لعشرات المصانع في أمريكا الشمالية، ويواكب المستجدات التكنولوجية بكيفية تتيح الاستفادة منها في أنشطة بكل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية، ما يجعله راغبا في تمطيط نحو تقديم ‘’استشارات خارجية’’ لأطراف متعددة مستقبلا، والوصول لاحقا إلى تأسيس استثمار خاص به في هذا الميدان.
على صعيد آخر، يحمل عماد طموحات جمعوية مرتبطة باستقراره في ‘’دروموند فيل’’ وسط كبيك، إذ يتولى رئاسة تنظيم مدني يخدم الثقافة المغربية في المنطقة، يحمل اسم ‘’جمعية التعاون والصداقة المغربية الكندية’’ ويتيح للأجيال الجديدة التمسك بالهوية الأصلية، كما يعرف الكنديين بتقاليد المغاربة وخصوصياتهم.
يقول السعودي: ‘’هذا الأداء انطلق قبل سنوات قليلة ونال اعتراف مجلس المدينة، حيث تستفيد الجمعية حاليا من دعم عمومي كميزانية للتسيير، ولديها شراكات مفيدة في تنظيم مواعيد ثقافية متعددة، أبرزها مع المركز الثقافي دار المغرب، ونريد تطوير هذا الأداء التطوعي كي يعرف أكثر بالهوية المغربية’’.
الصادقون الناجحون
يعتصر عماد السعودي ما خبره في 13 سنة من العيش على التراب الكندي ليعلن أن الوافدين إلى هذا الحيز الجغرافي من أمريكا الشمالية مطالبون بـ”المعقول” مع التحلي بالإصرار عند الإقبال على العمل في هذه البيئة المجتمعية التي تؤمن بالجد وتطلق حملات رسمية للبحث عن حاملي هذه الخصلة البشرية.
كما ينفي المغربي عينه لجوء الكنديين إلى التعامل بعنصرية مع الآخرين، ويضيف: ‘’لم أرصد ذلك أبدا في الحياة المهنية ولا ضمن الاشتغالات الجمعوية، هناك تقدير للمجهودات المبذولة، ويغيب التمييز بين أفراد هذا المجتمع لصالح احترام الاختلاف ومساندة التقارب والتعايش وإرساء أسس السلام’‘.
‘‘أنصح الراغبين في الهجرة إلى كندا بتفادي التصنع، سواء تعلق الأمر بالتعابير الهوياتية أو الموقف من القضايا المجتمعية، وأن يتعاملوا على سجيتهم مع المحيطين بهم ليصيروا خير سفراء لبلدهم، واليقين أن الصادقين ناجحون على أكثر من صعيد، لأن مفتاح الصدق يجعل الناس يتجاوبون بصدق أيضا’’، يختم عماد السعودي.
المصدر: وكالات