أبقت وكالة “فيتش رايتينغ”، المختصة في التصنيف الائتماني العالمي، على تصنيف ائتماني “جيد” لاقتصاد المملكة المغربية بخصوص “التصنيف الافتراضي طويل الأجل لمصدر العملة الأجنبية (Issuer Default Rating (IDR))، مثبِتةً أنه لا يزال عند تنقيط”+ BB” ، مع “نظرة وآفاق مستقبلية مستقرة”؛ ليشكل ذلك سنداً قويا لِـما سبق أن أعلنته الوكالة في شهر أبريل من العام 2023.
واستندت “فيتش”، التي سبق لها متم شتنبر الماضي إصدار توقعات بخصوص التأثيرات الاقتصادية المحتملة والمرتقبة لتداعيات زلزال منطقة الحوز ونواحيها، على عدة مؤشرات قالت إنها تصبّ في اتجاه “الحفاظ على التصنيفات المؤكدة والتوقعات المستقرة” بالنسبة للحالة المغربية.
الوكالة أوضحت، في “منشور التعليق على إجراءات التقييم” الصادر نهاية هذا الأسبوع (20 أكتوبر الجاري)، أنه “يتم دعم تصنيفات “+BB” المغربية بسِجِلّ من سياسات الاقتصاد الكلّي السليمة التي تدعَم المرونة في مواجهة الصدمات”، مُشيدة بإجراءات “الدعم الرسمي القوي للدائنين، وتكوين الديون المواتية، مع مخزونات واحتياطيات السيولة المريحة”.
ومقارنة بـ”نقاط القوة” هذه، ترى “فيتش رايتينغ” أن “مؤشرات التنمية والحكامة بالمغرب تظل أقل من مؤشرات نظرائه (من دول المنطقة)، الذين يسجلون العجز المرتفع في الميزانية والدين العمومي”، إلا أنها أثارت الانتباه إلى كون “المغرب يظل عُرضة للأحوال الجوية/ المناخية السيئة”.
ولم يغب “أثر الزلزال” الأخير الذي ضرب جبال الأطلس الكبير أوائل شتنبر، والذي أودى بحياة أكثر من 3 آلاف شخص ودمر آلاف المساكن وبعض التجهيزات الأساسية، عن ناظر خبراء “فيتش”، قائلين في تعليق لهم مرفق بالتصنيف، اطلعت عليه جريدة هسبريس، “نَفترض أن التأثير الاقتصادي للزلزال سيكون محدوداً عام 2023، حيث لا تضم المناطق مراكز رئيسية للنشاط الصناعي مثل قطاع تصنيع السيارات، في حين أن الزلزال يمكن أن يعطِّل- إلى حد ما- انتعاش السياحة، التي كانت عائدات أنشطتها (القطاع الثالثي)، بالفعل، أعلى من مستويات ما قبل الوباء”.
“ضغوط الإنفاق تُبطئ التماسك”
تحت هذا العنوان الفرعي، توقعت “فيتش”، في تحليلها للوضعية المالية/ الائتمانية المغربية الراهنة، أن يسجل “عجز الحكومة المركزي (central government (CG) deficit) نسبة 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة عام 2023 مقابل 5.2 بالمائة التي سُجلت عام 2022.
وتابع مصدر التصنيف شارحا “تمَّ دعم نمو الإيرادات المعتدل (+0.9 بالمائة على أساس سنوي حتى شتنبر) من خلال تحصيل الضرائب المرتفعة، لكن الإنفاق الحكومي واجه ضغوطاً تصاعدية (+7.2 بالمائة على أساس سنوي)”، لافتا في هذا الصدد إلى “أثر الجفاف على الإمدادات الغذائية وارتفاع التضخم”.
وعلى الرغم من أن “مبالغ دعم الغاز كانت أقل مما هو مُدرَج في الميزانية”، فقد “ازدادت الإعانات (مبالغ الدعم) المقدَّمة للأغذية وللمزارعين/ الفلاحين، وتسارعت وتيرة الاستثمار في البنيات الأساسية والتحتية للمياه”، تضيف “فيتش” بنبرة تشِي بالإشادة والتنويه بالسياسات الحكومية المتّبعة خلال العامين الأخيريْن.
ولفتت الوكالة الدولية المختصة إلى أن “جهود إعادة الإعمار ستتزامن مع بدء برنامج التحويلات النقدية، الذي يُفيد الأسر الضعيفة، بهدف التخلص التدريجي من الإعانات المكلّفة (غاز البوتان والسكر والقمح) المقدَّرة بنسبة 2.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023 (بعد 3.1 بالمائة عام 2022).
“يمكن أن تستفيد الإيرادات من جهود التعبئة، بما في ذلك إصلاح نظام ضريبة مداخيل الشركات وتنسيق ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى تحقيق الدخل من الأصول العمومية”، يلاحِظ تقييم “فيتش”، مشيرا إلى أنه “يمكن لجهود إعادة الإعمار أن تزيدَ من التحديات التي تواجه تنفيذ النموذج التنموي الجديد، الذي يهدف إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي بنسبة 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025 لتحسين جودة التعليم والصحة وتوسيع باقة الخدمات الاجتماعية”.
تكريس ثقة “المجتمع المالي الدولي”
وفي تعليقه على أحدَث “توقعات فيتش” وتقييماتها، سجّل محمد الرهج، الخبير الاقتصادي المغربي، أن “تثبيت التصنيف ليس سوى تحصيل حاصل بالنسبة للأداء الاقتصادي ووضعية الائتمان الجيِّدين بالمغرب”، قائلا إنه “كان من الضروري أن تحافظ المملكة على ذلك المكتسَب”.
وفي تصريح لهسبريس، اعتبر الرهج، الأستاذ بمعهد التجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء، أن “التصنيف وتقييمه لم يَحمِلا تحولا كبيراً، بل هناك عدم انزلاق لتخفيض التصنيف الائتماني في وسط إقليمي مضطرب وظرفية اقتصاد عالمي موسومة بعدم اليقين”.
وأضاف شارحا “المغرب واجه جميع الصعوبات والصدمات، واستمر في نهج علاقات مفتوحة سياسيا واقتصادياً، مع تحمُّل جيد وتحكم بالمديونية”، مما يجعله يتوج “ثقة المجتمع المالي الدولي ومؤسساته الفاعلة، التي نظمت هذا الشهر اجتماعاتها السنوية بمراكش وأشادت بمرونة وصمود بلادنا”.
وخلص إلى أن “الأمل يظل قائماً بخصوص تحسين تصنيف المغرب مستقبلاً على مختلف المؤشرات الماكرو اقتصادية المؤثرة، رغم أن بعض الإجراءات المتضمنة في مشروع مالية 2024 ما زالت محط تَرقب”.
المصدر: وكالات