وضعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة أمام معضلة دقيقة: تلبية مطالب داعميها الأثرياء المؤيدين للدولة العبرية، والحفاظ في الوقت نفسه على حق طلابها في التعبير عن آرائهم الداعمة للفلسطينيين.
قام عدد من الأثرياء الأميركيين، أو لوّحوا على الأقل، بوقف تبرّعاتهم لمؤسسات تعليم عالٍ عريقة مثل جامعة هارفرد في ولاية ماساتشوستس وجامعة بنسلفانيا في ولاية فيلادلفيا.
وأنهت منظمة ويكسنر التي تعمل على تحضير “قادة المجتمع اليهودي الأميركي ودولة إسرائيل” شراكتها مع كلية كينيدي في جامعة هارفرد.
وبرّرت العائلة الثرية خطوتها بـ”فشل قيادة هارفرد الذريع في اتخاذ موقف واضح وقاطع ضد الجرائم الوحشية وقتل المدنيين الإسرائيليين الأبرياء من قبل الإرهابيين”، في إشارة إلى حركة حماس.
إلى ذلك، طالب مارك روان، الرئيس التنفيذي لصندوق “أبولو غلوبل ماناجمنت” الاستثماري أحد المتبرعين الرئيسيين لجامعة بنسلفانيا، باستقالة رئيستها إليزابيث ماغيل.
وانتقد روان استضافة الجامعة، قبل أسبوعين من اندلاع التصعيد، منتدى للأدب الفلسطيني شارك فيه من قال إنهم “أشخاص معروفون بمعاداتهم للسامية وترويجهم للكراهية والعنصرية”.
كذلك، أعرب متبرعون آخرون لهارفرد وبنسلفانيا عن امتعاضهم من أداء الجامعتين في الوقت الراهن، مثل كينيث غريفين الداعم لهارفرد، ورونالد لاودر الداعم لبنسلفانيا، وفق ما أفادت وسائل إعلام أميركية.
شعور بالخوف
شنت حركة حماس في 7 أكتوبر الجاري هجوما غير مسبوق على إسرائيل، التي ردّت بقصف مركز متواصل على قطاع غزة وحشد قوات عند حدوده؛ استعدادا لعملية برية محتملة.
وقُتل ما يفوق 4650 شخصا، معظمهم مدنيون، في القطاع جراء القصف، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس، فيما قتل أكثر من 1400 شخص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول للهجوم، حسب السلطات الإسرائيلية.
وقالت رئيسة جمعية الكليات والجامعات في الولايات المتحدة، لين باسكيريلا، إن “قادة (المؤسسات التعليمية) يتعرضون للانتقاد لعدم الإدلاء بموقف سريع أو حازم بما يكفي. يتم إرغامهم على اختيار طرف. على الرغم من ذلك، يصّر كثيرون منهم على تعذر اتخاذ موقف مؤسسي بشأن قضايا دولية معقدة كهذه نظرا لتعدد الآراء في الحرم الجامعي”.
وأدانت رئيسة جامعة هارفرد، كلودين غاي، هجوم حركة حماس، لكن منتقديها اعتبروا أن موقفها أتى متأخرا وبكلمات لا تعكس الشدّة الكافية.
كذلك، واجه المسؤولون عن جامعتي كولومبيا في نيويورك وستانفورد في ولاية كاليفورنيا مطالبات بالنأي بأنفسهم بشكل لا لبس فيه عن مجموعات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تتهم إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في منشورات يتم توزيعها خلال تحركاتها.
في المقابل، دعت مجموعة من أساتذة هارفرد إلى وضع حد للمضايقات في حق طلاب وقّعوا عريضة مناهضة لإسرائيل. وشملت هذه المضايقات مرور مركبة قرب حرم الجامعة في مدينة بوسطن وهي ترفع صور الطلاب وأسماءهم تحت شعار “أبرز المعادين للسامية في هارفرد”.
كذلك، واجهت التحركات الطلابية في جامعة كولومبيا انتقادات مشابهة.
وقالت كريستين شاهفرديان، مديرة برنامج حرية التعبير والتعليم في منظمة “PEN America”، إن “ما نسمعه مباشرة هو أن بعض الطلاب في بعض الأحرام الجامعية يشعرون بالقلق من التعبير، يقلقون ربما من الاحتجاج”.
وأضافت: “أعتقد أن هذا الشعور بالخوف ملموس بالنسبة للبعض في الأحرام”.
تعابير “القلق”
يكفل الدستور الأميركي حرية التعبير والإدلاء بالرأي، ويستند كثير من مسؤولي الأحرام الجامعة إلى تقرير لجنة كالفن لعام 1967 في الدفاع عن حرية الطلاب في التعبير عن مواقفهم.
والتقرير الذي أصدرته جامعة شيكاغو في خضم احتجاجات غاضبة ضد حرب فيتنام، ومواجهات على صلة بالحقوق المدنية، خلص إلى أن دور الجامعات يجب أن يكون الترويج لتعددية الآراء عوضا عن اتخاذ موقف بشأن قضايا مثيرة للجدل.
واعتبرت باسكيريلا أن الضغوط التي يمارسها المتبرعون على الجامعات تقوض هدف التعليم العالي في الولايات المتحدة، وهو “الترويج لسعي غير مقيّد إلى الحقيقة والتبادل الحر للأفكار”.
وشددت شاهفرديان على أهمية أن “يدرك المتبرعون أن حرية التعبير هي ركن أساسي في التعليم العالي، وهذا يعني في بعض الأحيان آراء قد يكون المرء معارضا لها بشدة”.
وأعادت هذه الضغوط تسليط الضوء على ضعف الدعم الحكومي للجامعات الخاصة وتركها عرضة لأهواء الأثرياء. ورأت باسكيريلا أن الاعتماد على الدعم الخاص يفرض قيودا على الأساتذة والمسؤولين “لأنهم يخشون خسارة التبرعات”.
وتأتي هذه القضية في وقت يعاني فيه المجتمع الأميركي من انقسام متزايد بين الديمقراطيين والجمهوريين.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه حديثا معهد “غالوب” أن نسبة الأميركيين الذين يبدون “ثقة كبيرة” بالتعليم العالي في بلادهم، تراجعت من 57 بالمئة في 2016 إلى 36 بالمئة هذه السنة.
المصدر: وكالات