تجنّد المغاربة بمعنويات مرتفعة لنجدة ضحايا زلزال الحوز، انتشرت صور وفيديوهات القوات المسلحة الملكية والمتطوعين رجالا ونساء يقدمون كل دعم ممكن منذ صباح 9-9-2023. وفجأة، طفا فيديو شبان وشابات يقضين الليلة في الجبل، حيث مر الزلزال. يتثاءبن ويضحكن في لحظة حزينة.
حصل فيديو النوم العلني في جبال الزلزال على مشاهدة عالية وتعليقات كثيرة وجدلا أضر بنبل الهدف الذي يعمل من أجله الجميع. تتعارض التفاهة والمنجزات. تضعف التفاهة المعنويات وتنهك الروح الوطنية في لحظات الأزمة.
كيف؟
إن استراتيجية التفاهة هي لفت الانتباه على حساب المواضيع الجادة والحوادث المأساوية التي تتعرض للتجاهل واللامبالاة.
حصل التصوير في منطقة جبلية ذات تقاليد قروية. كان الشباب نائمين؛ بينما يعتبر الاستيقاظ المبكر فضيلة في البوادي. يسخر المجتمع الفلاحي المغربي من الفاشلين الذين يتوهمون أن الزمن متوفر وفائضا “اللي بغا يربح العام طويل”.
هنا صار الزمن متوفرا وفائضا. هل كان الطعام يوما متوفرا وفائضا؟
إنه متوفر للذين صاروا مستقلين أمام كاميرا في فراش نومهم ليكونوا أكثر تأثيرا من الذين يحملون الفؤوس للحفر والذين يقودون الجرافات في المنعرجات الخطرة للوصول إلى المنازل المتهدمة. حينها، لمع شاب وهو ينصح بالزواج ببنات الضحايا.
راجت شكوك حول طبيعة حملة التضامن مع ضحايا الزلزال للارتزاق بكرامتهم.
هذه الشكوك مضرة بالذين يعملون بجد وإخلاص.
عمليا، تضعف التفاهة المعنويات في كل مجال.
الجميع ينددون بانتشار التفاهة. فمن يتابعها؟
يتابعها الذين يبحثون عن التسلية.
إن الفرضية المدفونة هنا هي أن التافهين مضحكون.
تغذي الكاميرات والميكروفونات النرجسية.
نرى عشرين ميكروفونا تحت فم ينتج التفاهة. يحظى المحتوى التافه بمتابعة كبيرة. المحتوى التافه عبارة عن فاكهة معطوبة تترك عفونتها في فم من يتناولها. حين تطول رفقة الحماقة تنتقل من مستهلكها إلى مزاج من يستهلكها. هذه هي الحقيقة؛ لكن الفرضية المدفونة هي أن التافهين مضحكون.
كل منتج محتوى مؤثر يعلن: أنا رائع ولا أحد مثلي، وهذا رأيي فيما يجري. هذه بروباغندا شخصية لأشياء زائفة. يعبر الفرد عن مشاعره الشخصية علنا، ويريد تعميم الحكم بها. عن مثل هذا النوع قال جورج برنارد شو: “سامحه، فهو يعتقد أن عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة”.
طيب، التافهون مضحكون. العقلاء مملون.
هل تريد أن تكون تافها مضحكا أم مملا؟
تضعف التفاهة واللامبالاة المعنويات.
بينما كان المخرج الكبير ستانلي كوبريك يصور فيلما عن حرب فيتنام في أستوديو حيث مئات الممثلين والعاملين، انتقد سلوك أفراد فريق التصوير السينمائي ونتائجه قائلا بأنه “إذا ادعى المرء أنه لا مبال فإن ذلك يضعف المعنويات” (سيرة كوبريك، فانسن لوبروتو، ص 509).
التفاهة واللامبالاة حالة نفسية معدية تقود إلى الفشل.
لقد كثر تقاسم كتاب يتحدث عن التفاهة. أتجنب قراءة الكتب التي تتداول بكثرة لكي لا تنمّط منظوري. أبحث في كتب مختلفة. مثلا، يقول المؤرخ والضابط البريطاني جون غلوب في كتاب “أسباب سقوط الإمبراطوريات والدول العظمى”، إن “التفاهة هي رفيقة التشاؤم: دعونا نأكل ونشرب ونمرح؛ لأننا سنموت غدا”.
إذن، لا داعي لنجتهد ونخطط ونحتاط، يكفي أن نمرح لأن التفكير “همّ”.
تتغذى هذه التفاهة من الفكر اليومي الذي يميّع كل مشروع وكل طموح باستخدام لغة ضحلة “كخرير اللغة الجوفاء”(مهدي عامل، “نقد الفكر اليومي”، الأعمال الكاملة دار الفارابي، بيروت ط2 1989. ص21).
بغرض التخلص من عبء الواقع.
يشكك الفكر اليومي في كل شيء، لا يقترح حلا ولا يقدم بديلا، هذه هي العدمية… وقد وجدت فرصة هائلة في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
إن الشك المجاني مدمر والعزيمة ضرورية لأي مشروع ينجزه الفرد أو الدولة.
منذ سنوات، تفانى من يتظاهرون بالذكاء ويفتخرون بالعزلة في السخرية من مشروع بناء القطار فائق السرعة ومن ترشح المغرب لتنظيم المونديال. والآن؟
سينظم المونديال في المغرب.
هل سينجح هكذا تلقائيا؟
لا،
لا بد من تمويل وتخطيط وتعبئة وطنية.
فكيف سيتحقق ذلك ليكون المغرب مكتفيا بذاته ينتج تنمية واقتصادية وبشرية حقيقية عادلة؟
لا مكان للتفاهة في الإجابة عن هذا السؤال.
وحدها الجدية ستحقق طموح المغاربة.
المصدر: وكالات