“طفرة ملحوظة على المستويين الكمي والنوعي” يعرفها البحث البلاغي بالمغرب اليوم، وفق عدد خاص من فصلية “المناهل” الصادرة عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إذ “ارتفع عدد البحوث البلاغية المغربية المنشورة بالمغرب والمشرق، وتميز بعضها بالجدة والاجتهاد، أهلت مؤلفيها للفوز بجوائز عربية قيمة، وأصبحت بعض أعمال البلاغيين المغاربة متداولة بالبلدان العربية ومراجع معتمدة في أعمال الباحثين في البلاغة هناك”.
ذكر هذا ضمن أحدث أعداد “المناهل”، السابع بعد المائة، الصادر في 574 صفحة، في ملف معنون بـ”نظرات في البحث البلاغي بالمغرب”، من تنسيق محمد اليملاحي ومحمد احميدة، بعد رصد أن هذه الطفرة “لم تواكَب بدراسات تعرف بها وتقيم منجزها”.
ويضم العدد أبحاث إدريس جبري، محمد مشبال، نزار التجديتي، عبد الرحيم وهابي، مصطفى الغرافي، عبد الوهاب صديقي، عزيز قميشو، مصطفى رجوان، الحسين بنوهاشم، خلود بناصر، أبوبكر العزاوي، عبد العزيز لحويدق، محمد خيوط، عبد الله الكدالي، عادل القريب، امحمد واحميد، ومنير بورد.
ويندرج هذا العدد من “المناهل” ضمن الموقف الداحض لرأي ابن خلدون في مقدمته حول كون “أهل المغرب قد اهتموا بعلم البديع لسهولة مأخذه، وابتعدوا عن مآخذ البلاغة والبيان لدقة أنظارهما وغموض معانيهما”.
ويتابع: “بالرغم من أن هذا الحكم تُفنّده أعمال بعض البلاغيين المشهورين، مثل ابن عميرة، وابن البناء، والسجلماسي، فإنه كاد أن يتحول لاحقا إلى صورة نمطية عن الجهود البلاغية بالمغرب، التي اعتبرت مجرد شروح وحواش ومنظومات للمتون البلاغية بالمشرق”.
ويستحضر الملف دحض باحثين مغاربة معاصرين رأي ابن خلدون المذكور، متحججين بـ”وجود مدرسة بلاغية مغربية يمثلها الأعلام المذكورون، خاصة بعد تحقيق ونشر أعمالهم وإنجاز دراسات تبين خصوصيتها، بعد أن دافع محمد عابد الجابري عن وجود مدرسة فلسفية مغربية يتزعمها ابن رشد. وقد تبين أن ممثلي المدرسة البلاغية بالمغرب تتلمذوا على بعض تلامذة ابن رشد”.
وتدافع الدراسات عن أصالة الدرس البلاغي المغربي قديما وحديثا وانفتاحه على محيطه خلال التاريخ، وتبين مظاهر الائتلاف بين البحث البلاغي بكل من المغرب وتونس، مع توقف عند محطتين هامتين في تاريخ البلاغة المغربية وتطور البحث فيها، هما “مدرسة تطوان” لمحمد بن تاويت التطواني، التي طورها لاحقا محمد أنقار ومحمد مشبال، و”مدرسة فاس” التي نشأت مطلع ثمانينات القرن العشرين، “في مناخ التحول من المناهج النقدية الإيديولوجية إلى المناهج الشكلانية والبنيوية واللسانية”، وعملت على ترجمة أعمال أساسية وتشغيل المعطيات النظرية لتلك الأعمال في الدرس النقدي المغربي داخل وخارج الجامعة.
وتهتم الأبحاث أيضا بالمشاريع البلاغية المغربية الحديثة لمحمد العمري ومحمد الولي، وكتب حديثة مهمة هي “البلاغة العربية أصولها وامتداداتها” لمحمد العمري، و”بلاغة الحجاج، الأصول اليونانية” للحسين بنو هاشم، و”الاستعارة والنص الفلسفي” لتوفيق فائزي.
وما يؤلِّف بحوث هذا الملف هو “الانتصار للبحث البلاغي بالمغرب قديمه وجديده، والدفاع عن مكانته داخل البحث البلاغي العربي بصفة عامة”، ودراسة “المنجز البلاغي المغربي” من خلال “الأشخاص والمؤلفات، لا الموضوعات والقضايا التي يمكن استخلاصها من ذلك المنجز”.
المصدر: وكالات