خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ يوم السبت السابع من شهر أكتوبر الجاري، أعلن الاحتلال الإسرائيلي استهدافه لحي الرمال وسط قطاع غزة، والذي يعد عاصمة غزة الاقتصادية، إذ يصنف من الأحياء السكنية والتجارية والخدمية.
فلا تخلو أي صورة جمالية لمدينة غزة من المشهد العام لحديقة الجندي المجهول، التي تتوسط حيّ الرمال، أحد أكبر الأحياء وأكثرها حيوية، وكان العاصمة التجارية والسُّكانية للمدينة.
مراكز تجارية ضخمة، وأبراج أعمال مختلفة، وعيادات طبية، ومطاعم كثيرة، إلى جانب المقرات الحكومية، والمؤسسات الأهلية كالبنوك وشركات الاتصال.
وعلى مساحة 5 كيلومترات مربعة يربط حي الرمال شرق مدينة غزة بغربها الساحلي، إذ يضم مقر المجلس التشريعي الفلسطيني، ومقار غالبية الجامعات الفلسطينية، والمؤسسات الأهلية المحلية والدولية، أبرزها (أونروا)، كما يضم أبراجا سكنية وخدماتية، ومراكز تجارية ضخمة، إلى جانب الأسواق المحلية العديدة، والبنوك وشركات الاتصالات والإنترنت.
سبب التسمية
تم تأسيس حي الرمال في عهد الانتداب البريطاني، بعد الحرب العالمية الأولى، في عام 1920. وقد سُمي بهذا الاسم، لأنه كان عبارة عن منطقة كثبان رملية، ولا يوجد فيه أي حياة أو عمل، ويقع بمُحاذاة الخط الساحلي، ويُحيط به 20 حياً مُعتمدة من المجلس البلدي، ومنها حيّ الدرج، والتُّفاح، والزيتون، والشجاعية، والشيخ رضوان، والصبرة، والشيخ عجلين، وتسبقها منطقة تل الهوا.
في عهد الإدارة المصرية في الخمسينيات، وُزِّع حيّ الرمال للموظفين، ومن ثم قُسِّم وفُتحَت الشوارع.
واقتُطِعَت منطقة الشيخ رضوان من حيّ الرِمال، وذلك بعد دخول الاحتلال الإسرائيلي، لتخصيصه كمساكن للاجئين من مخيم الشاطئ، بهدف تفريغ المُخيم من سُكانه، وباتت حدود حيّ الرِمال بشكل عام تمتد من منطقة الشيخ رضوان شمالاً حتى منطقة الشيخ عجلين جنوباً، ومن منطقة السامِر شرقاً، حتى بحر غزة غرباً.
ونظرًا لنظافة شوارعه التي كان يتسم بها قبل القصف، وكذلك لوجود العديد من المنازل والفيلات الراقية به، كان يطلق على حي الرمال من قبل البعض “شانزلزيه غزة”، نسبة لأرقى شوارع العاصمة الفرنسية باريس.
قبل القصف الأخير، كان يسكن حيّ الرمال العديد من العائلات، وكان ساحة لبناء العمارات السكنية، بفعل حيوية المنطقة وقربها من كل المناطق الأخرى.
كما دفع احتضان الحيّ من المحال التجارية، ومكاتب العمل، والمؤسسات الرسمية والحكومية والمشافي، الفلسطينيين من مُختلف مُحافظات قطاع غزة، إلى التوجه لاستئجار أو شراء الشقق السكنية فيه، فيما تُعتبر أسعار الشقق السكنية فيه من أغلى المناطق.
ورغم خلوه من المنشآت العسكرية واحتوائه على مبنى مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” الابتدائية التي آوت لاجئين أجبرهم الجيش الإسرائيلي على مغادرة منازلهم في يوليو 2014، كان حي الرمال هدفاً لغارات المقاتلات الإسرائيلية.
أهداف القصف
وصرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، بأنّ “الرمز الموجود وسط قطاع غزة له مكانة مهمة وكبيرة جداً لقيادة حماس وعناصرها“.
وعبر حسابه في منصة “إكس“، أقرّ الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، بشن القوات الإسرائيلية هجمات في قطاع غزة “لم يسبق لها مثيل”، حسب تعبيره، مشيراً إلى قصفهم مناطق جغرافية، منها بيت حانون وحي الرمال، التي ادّعى أنّ “الإرهاب يعمل منها بشكل مكثف“.
ونشر أدرعي مقطعاً مصوراً يُظهر لحظة تدمير مبنى الجامعة الإسلامية، مدّعياً أنّ استهدافها جاء لكونها “تعمل مركز تأهيل وتدريب رئيسياً لمهندسي حماس”، على حدّ وصفه.
إلّا أنّ الدافع وراء استهداف حي الرمال كان لأنه أكثر الأحياء مركزية في قطاع غزة، لأنّه يشكل مركزاً إدارياً واقتصادياً وفيه كل المنشآت الرئيسية مثل البنوك والجامعات والمحال التجارية، إضافةً لكون المربعات السكانية فيه من المربعات الأكثر رقياً وعمراناً.
كما أن الاحتلال تَعمّد قصف الحي لضرب رمزيته بوصفه يشكل ما يشبه العاصمة الإدارية للقطاع، وعنواناً مركزياً رئيسياً إضافة إلى أنّ الاحتلال يهدف إلى جانب العقوبات الجماعية، إلى إدخال القطاع في أزمة إعمار تحتاج إلى عشرات السنوات لإتمامها، وحرمانه من الجامعات المركزية والمدارس والبنوك، إضافةً لتدمير البنية التحتية.
“الإمارات اليوم” انتقلت إلى الحي الذي تحول على مدار أيام العدوان إلى كومة من الرماد والحديد كممنطقة منكوبة، إذ نثرت طائرات الاحتلال بواسطة صواريخها خرابا ودمارا واسعا طال جميع المرافق والبنايات والأبراج، لتتحول قبلة الغزيين الاقتصادية إلى منطقة كارثية.
في شارع الشهداء وسط حي الرمال، بات برج فلسطين السكني والذي يضم عيادات طبية أثرا بعد عين، بعد أن كان يعد من أصخم الأبراج في غزة، وأقدمها، فيما امتد ركام طوابقه على مرمى البصر ليغلق جميع الطرق المؤدية إليه.
وعلى امتداد مفترق الجامعات جنوب حي الرمال حطمت إسرائيل آمال آلاف الطلبة الجامعيين جراء قصف مقر الجامعة الإسلامية كبرى جامعات غزة.
وفي شارع الجندي المجهول القائم وسط حي الرمال والذي يضم مقار البنوك والمراكز التجارية، أصيبت المحال التجارية ومركز (كابيتال مول) التجاري، والبنايات السكنية والخدمية بأضرار جسيمة، جراء قصف طائرات الاحتلال مقر البنك الإسلامي الفلسطيني.