أصبحت الوجبات السريعة من السمات المميزة للمجتمعات الإنسانية المعاصرة، بالنظر إلى تلاؤمها مع أنماط العيش والاستهلاك السائدة، لكنها تثير عددا من التساؤلات عن آثارها الصحية.
وقد تزايد الإقبال بشكل لافت على هذه الأكلات الجاهزة خلال السنوات الأخيرة بفعل التحولات الاجتماعية والثقافية الكبرى التي شهدتها المجتمعات عموما، على حساب الوجبات التقليدية التي كانت الجدات والأمهات يهيئنها داخل البيوت.
في هذا الصدد، قال المصطفى شكدالي، متخصص في علم النفس الاجتماعي، إن بنية المجتمع المغربي “تحولت من مجتمع فلاحي إلى مجتمع صناعي لينعكس ذلك على طرق الأكل وأنماط التغذية”، مبرزا أن الأسرة المغربية تحولت بدورها من “الأسرة الممتدة إلى ما يعرف بالأسرة النووية، فألقى هذا التحول بظلاله على طقوس إعداد وتناول الوجبات الغذائية”.
وبعد أن شدد على أن أنماط تناول الطعام تعبر عن أساليب التنشئة الاجتماعية، أوضح شكدالي، وهو أيضا أستاذ باحث في المعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “المجتمع المغربي، وعلى غرار مجتمعات أخرى، شهد انتقالا من القيم الجمعية إلى القيم الفردية المرتبطة بمفهوم الفردانية، الذي أفرزته مجتمعات الثورة الصناعية وتطورت شيئا فشيئا لتصل بنا اليوم إلى ما بات يعرف بالمجتمع الاستهلاكي”.
كما أشار شكدالي، وهو أستاذ زائر بعدد من الجامعات داخل المغرب وخارجه، إلى أن عامل الوقت لعب دورا كبيرا في بلوغ الإقبال على الوجبات السريعة مستوى قياسيا، على اعتبار أن “معظم الأفراد يعودون إلى بيوتهم في ساعات متأخر من اليوم ولا يسعفهم ضيق الوقت وكثرة المشاغل والالتزامات في تحضير وتناول الأكل داخل المنزل”.
وعن التداعيات المتصلة بانتشار الإقبال على الوجبات السريعة، أكد شكدالي أن هذه العواقب يتصدرها التأثير على قوة ومتانة العلاقات الاجتماعية، ذلك أنه “افتقدنا الطقوس الاجتماعية والرمزية التي عادة ما تصاحب تناول وجبات الطعام، والتي تعبر عن قرابة الدم والملح (الملحة والطعام) ليس فقط في الحواضر بل في البوادي أيضا”.
وفي السياق نفسه، سلط الباحث في علم النفس الاجتماعي الضوء على نموذج طبق الكسكس التقليدي، الذي “فقد رمزيته كأكلة مغربية أصيلة ووازنة وأصبح يطلب بدوره كوجبة سريعة من المطاعم والمحلات”.
من جانبه، قال الأخصائي في أمراض الغدد وداء السكري والتغذية، الدكتور حمدون الحسني، إن من أبرز انعكاسات الإقبال المكثف على اقتناء الوجبات السريعة، انتشارُ عدد من الأمراض الخطيرة والمقلقة، كما هو الحال بالنسبة للسمنة، وارتفاع الضغط الدموي، وأمراض القلب، والكولستيرول، وارتفاع الشحوم الثلاثية، وكذا عسر الهضم الناجم عن ضعف نسبة الألياف التي يفتقر إليها هذا النوع من الوجبات.
وبعد أن أماط اللثام عن جملة من العوامل المسببة لانتشار استهلاك الوجبات السريعة أو “المكوكية”، بما في ذلك اعتماد التوقيت المستمر في العمل والدراسة، والتئام جل الأسر المغربية في الفترة المسائية فقط، وانتشار خدمات التوصيل السريع بدل اللجوء إلى طهي الطعام الذي يستغرق مدة زمنية أطول، شدد الحسني، في تصريح مماثل، على أن هذا الصنف من الوجبات تغلب على مكوناته الدسامة، إضافة إلى ارتفاع نسب السكريات والأملاح بها، ما يفتح شهية المستهلك عليها أكثر.
كما أوضح الأخصائي ذاته أن خطر الوجبات السريعة يتضاعف أكثر عندما يصاحبها استهلاك المشروبات الغنية بمادة السكريات، مضيفا أن الأمراض التي لم تكن تصيب سوى الفئة العمرية من 60 و70 سنة فما فوق، “أضحت اليوم تنخر أجساد فئات عمرية مبكرة تتراوح ما بين 25 و30 سنة”.
وفي سياق ذي صلة بحماية المستهلكين، قال رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، إن “هناك حاجة ملحة إلى تنظيم مجال إعداد الوجبات السريعة، والعناية به من طرف السلطات المختصة من وزارة الصحة، ووزارة الفلاحة، ووزارة الداخلية، ووزارة التجارة”.
المصدر: وكالات