ينتج مصدرو الغذاء في العالم ما يكفي من الحبوب لتجنب النقص المتوقع مع اندلاع الحرب بين الدولتين الزراعيتين الرئيستين؛ روسيا وأوكرانيا، وهذه أخبار سارة للمستهلكين على مستوى العالم في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم، بما في ذلك أسعار المواد الغذائية.
إن العرض والطلب العالميين على الذرة وفول الصويا متوازنان بشكل عام، وبدلاً من حالة الذعر التي سادت العام الماضي، بسبب ارتفاع الأسعار، بدأت أسعار القمح العالمية في الانخفاض. وفي ذلك يقول رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة ولاية كانساس، ألين فيذرستون: «حتى الآن سارت الأمور بشكل أفضل بكثير مما توقعه الناس»، مستدركاً: «لكن لايزال هناك قدر كبير من عدم الاستقرار».
ومن المثير للدهشة أن هذا التغير يرجع إلى حد كبير إلى محصول القمح الممتاز في روسيا والغلة الأوكرانية. وقدرت وزارة الزراعة الأميركية الأسبوع الماضي محصول القمح الروسي بنحو 92 مليون طن متري، بزيادة أكثر من 20% عن العام الماضي. والأكثر إثارة للدهشة هو إنتاج أوكرانيا، حيث إنه رغم ويلات الحرب والهجمات الصاروخية، لايزال المزارعون قادرين على مضاهاة إنتاج العام الماضي، حسب التقديرات. وستصل صادراتها مجتمعة إلى مستويات قياسية هذا العام، وستظل على المستوى نفسه تقريباً في العام المقبل، وفقاً لتوقعات شركة «أي جي ريزورسيس» للأبحاث.
وكتب رئيس شركة الأبحاث الزراعية ومقرها شيكاغو، دان باس، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «النتيجة هي أن صادرات قمح البحر الأسود ستقترب من مستوى قياسي كبير في 2023/2024». وبحلول العام المقبل لن يكون للحرب في أوكرانيا أي تأثير تقريباً على أسعار القمح، مقارنة بأدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات.
ظروف جافة
وقد ساعد في هذا السيناريو الإيجابي، بشكل عام، محاصيل الذرة وفول الصويا القوية في أماكن أخرى من العالم، ومع ذلك لاتزال هناك مشكلات.
وفي يوليو حظرت الهند تصدير أهم فئة من الأرز لديها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأرز العالمية، وقد ينذر ظهور نمط طقس الـ«نينيو» بظروف جافة بالنسبة للمزارعين في نصف الكرة الجنوبي، الذين يزرعون محاصيلهم الجديدة، ومن الممكن أن تتسبب الحرب في أوكرانيا في مشكلات جديدة إذا استمرت.
ومن المفارقات أنه رغم الوضع الإيجابي نسبياً للمحاصيل العالمية، فإن الجهود العالمية للحد من انعدام الأمن الغذائي قد توقفت. وأفاد مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية بأنه حتى أغسطس واجه ما يقرب من 238 مليون شخص في 48 دولة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعادل ذلك شخصاً واحداً تقريباً من كل خمسة أشخاص في تلك الدول، وهو ما يشبه عام 2022.
أحد الأسباب هو أن أسعار المحاصيل لاتزال مرتفعة للغاية، بحيث لا تستطيع بعض الدول الفقيرة تحملها، وفي هذا السياق تقول الخبيرة الاقتصادية لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، مونيكا توثوفا، التي تقيم في روما: «على الصعيد العالمي لا يوجد نقص»، موضحة أن «المشكلة هي أن السعر مرتفع، وقد تواجه البلدان المحتاجة أوقاتاً صعبة في الوصول إلى المنتجات».
والدافع الآخر هو الصراع، إذ تفاقمت أزمة الغذاء في شرق إفريقيا، وهي الأسوأ في العالم هذا العام، حيث دفعت الحرب الأهلية في السودان ثمانية ملايين شخص آخرين إلى مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومن المرجح أيضاً أن يؤدي الصراع الجديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تفاقم الوضع الصعب بالفعل في قطاع غزة. وقطعت إسرائيل شحنات الغذاء إلى القطاع، حيث كان ما يقرب من ثلثي السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي حتى قبل اندلاع أعمال العنف الأخيرة، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
توقعات قاتمة
ومن الممكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا مرة أخرى إلى قتامة توقعات الغذاء ما لم يتمكن المزارعون الأوكرانيون من إيجاد السبل لتعزيز الإيرادات وخفض التكاليف، وعلى سبيل المثال تعد أوكرانيا – وهي مصدر رئيس للقمح في الأوقات العادية أيضاً – منتجاً كبيراً للذرة، وأكبر مصدر في العالم لزيت عباد الشمس المستخدم في الطهي، والدقيق المستخدم لإطعام الماشية، والآن لا يمتلك هذا البلد في كثير من الأحيان الطاقة الكهربائية اللازمة لتجفيف الذرة أو معالجة عباد الشمس وتحويله إلى دقيق وزيت، كما تشير أنتونينا بروياكا، الخبيرة الأوكرانية في الاقتصاد الزراعي، والتي فرت من البلاد مع أطفالها في وقت مبكر من الحرب، وتعمل الآن في جامعة ولاية كانساس. وتقول بروياكا: «لقد تحول الكثير من الناس من الذرة إلى عباد الشمس، وهو محصول منخفض القيمة».
ويشكل ارتفاع تكاليف النقل تحدياً كبيراً آخر، ففي يوليو انسحبت روسيا من صفقة سمحت لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود، ما أجبر كييف على إيجاد طرق جديدة وأكثر كلفة لنقل حبوبها إلى الخارج، ما أدى إلى خفض أرباح المزارعين.
وتقول بروياكا، إن الإنتاج «ليس مربحاً على الإطلاق، ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للمزارعين للحفاظ على نشاطهم الزراعي، لأنهم لا يملكون ما يكفي من المال لشراء الضروريات من بذور وأسمدة وغيرها». وتضيف أنه إذا لم يتغير الوضع فقد تتضاءل المساحات المزروعة خلال السنوات القليلة المقبلة.
إلى ذلك تكيف النظام الزراعي العالمي مراراً مع الصدمات، ويقول الخبير الاستراتيجي العالمي للحبوب والبذور الزيتية في «رابوبانك»، وهو بنك للأعمال التجارية الزراعية، ستيفن نيكلسون: «إن النظام الزراعي العالمي مثل الطفل. إنه يتعثر على الرصيف وتنسلخ ركبته»، متابعاً: «لكن عليه أن ينهض من جديد ويمضي قدماً».
• ينذر ظهور نمط طقس الـ«نينيو» بظروف جافة بالنسبة للمزارعين في نصف الكرة الجنوبي.
• قد تؤدي الحرب في أوكرانيا مرة أخرى إلى قتامة توقعات الغذاء ما لم يتمكن المزارعون الأوكرانيون من إيجاد السبل لتعزيز الإيرادات وخفض التكاليف.
• %20 نسبة زيادة محصول القمح الروسي مقارنة بالعام الماضي.
• 238 مليون شخص واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.