تأكيد ودعوات صريحة إلى جعل “تجربة الانتقال الأخضر أولوية قصوى لدى صانعي السياسات بالمغرب، مع متطلبات دعم قوي من القيادات والمانحين الدوليين، خاصة في إطار متعدد الأطراف”، ورَد على لسان مسؤولتين حكوميَتين من المغرب ضمن فعاليات جلستيْ نقاش ضمن “اجتماعات مراكش” (في ثالث أيامها) حول موضوع «المرونة والصعود والتضامن وحياد الكربون في دول الجنوب» و”الإنجاز على أرض الواقع.. العمل القُطري من أجل كوكب صالح للعيش فيه”، في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين المستمرة في “باب إغلي” بمراكش إلى غاية الأحد 15 أكتوبر الجاري.
وفيما يشبه “مرافعة عن النموذج المغربي في الانتقال الطاقي الأخضر النظيف”، تحدثت كل من ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ونادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، من على المنصة نفسها، إلى جانب كل من أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي، ومارك كارني، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بالعمل والتمويل المناخي، فضلا عن خبراء آخرين في المجال.
“التنويع الاقتصادي”
“المغرب يتوفر، فعليا، على نموذج اقتصادي متكامل للغاية مع استراتيجيات إنمائية تغطي قطاعات عديدة”، التأكيد هنا جاء على لسان ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، لافتة إلى أن المغرب أفلح في عملية تنويع اقتصاده لسنوات على الرغم من أنه ليس مُصدرا للنفط والغاز؛ ما بوأه مكانة مرموقة في مجال الانتقال الإيكولوجي النظيف”.
ومقابل تعزيز عرضها القابل للتصدير، كما استعرضت بنعلي، فإن “المملكة طورت خبرات استراتيجية في مجالات أخرى؛ مثل صناعة الأسمدة، وإعادة التدوير، ومعالجة مياه الصرف الصحي”، معددة أربع ركائز تضمن للنموذج المغربي في النمو أن يكون “مستداما ونظيفا”.
وأبرزت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بأن “عملية التنويع الاقتصادي تحققت من خلال نشر برنامج طَمُوح للإصلاحات الهيكلية”؛ وهو الخيط الذي التقطته نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، ضمن إحدى الجلسات حول موضوع المناخ والكربون، مؤكدة أن هذا “التنويع هو الذي سمح للبلاد بالتخفيف من الصدمات بشقيْها الخارجية والداخلية”.
“في صدارة الأولويات”.. ولكن!
تضع المملكة عملية الانتقال الأخضر “ضمن صدارة أولوياتها”؛ هي فكرة أساسية ركزت عليها الشخصيتان المغربيتان في حديثهما أمام قيادات الاقتصاد العالمي وصانعي قراره. وبهذا الخصوص، سجلت فتاح “تنفيذ الرباط لاستراتيجية وطنية مخصصة مع خطط عمل دقيقة وطموحة ومدروسة دراسة عميقة”، ثم شددت في استدراك دال: “غير أن هذا الانتقال سيعبئ استثمارات كبيرة تشمل القطاعيْن العام والخاص، في إطار الدعم القوي من القيادة الدولية، ولا سيما البلدان المتقدمة والجهات المانحة الرئيسية”.
كما اقترحت وزيرة الاقتصاد والمالية وزميلتها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، فإن “هذه العملية ستتطلب الخبرة التقنية والفنية اللازمة، مع التمويل من خلال القروض بأسعار تفضيلية”.
وفي سياق الأزمات المناخية، أوضحت بنعلي أنها “معضلة تنتقل من جيل إلى جيل باعتبار طبيعتها العابرة للحدود”، داعية إلى “نشر نموذج جديد وموحد للعمل، خاصة على المستوى المالي؛ ليكون أكثر انسجاما مع الواقع الراهن نظرا لتداخل الأزمات”. وخلصت إلى أن “الأزمات تمثل فرصا لإعادة بناء الاقتصادات.. والتجربة المغربية في الاستجابة للأزمات وقدرتها القوية على الصمود شاهدة على ذلك”.
“حل التغير المناخي ليس عبء إفريقيا فقط”
من جانبه، أقر أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي، بأن “الأزمات بين المناخي والطاقي والغذائي تظل متداخلة إلى حد التشابك والتعقيد”، مشبها ذلك بـ”عاصفة مثالية تجتاح الدول، إذ لا يمكن الفصل بينها”.
بانغا انتهز الفرصة لبسط “تطور رؤية البنك في نظرته المستقبلية”، مذكرا بأنها تتمحور حول ركيزتيْن هما: “القضاء على الفقر، وضمان كوكب صالح للعيش (عبر محاربة الهشاشة وتوفير الغذاء والماء..)”؛ إلا أنه نال استحسان الحاضرين عندما قال بأن “حل المشاكل العالمية -وأبرزها التغير المناخي- لا يمكن أن يكون عبئا على إفريقيا لوحدها.. وعليها التعلم من دروس الدول الأخرى ذات الريادة”.
وفي بُعدها الطاقي، شدد المسؤول المالي الدولي على “ملحاحية توفير واستدامة خدمات أساسية كالكهرباء لـ600 مليون شخص في القارة السمراء، هذا قبل أن نطالبَهُم هل هي كهرباء نظيفة أم لا”.
وأورد معطيات دالة عن عمل البنك الدولي في هذا المضمار المناخي، مسجلا “تخصيص حوالي 40 مليار دولار في مجال مواجهة تغير المناخ؛ وهو مبلغ ضخم مقارنة مع مؤسسات متعددة الأطراف أو مبادرات دول سواء حكومية أو غيرها”، وزاد بأن “50 في المائة منها تُخصص للتكيف مع تغير المناخ أما نصفُها الآخر لتخفيف الآثار المترتبة عنه”.
وأكد رئيس مجموعة البنك الدولي أنه “مع تزايد إلحاح أزمة المناخ، فإن الحاجة تضغط لاتخاذ إجراءات عالمية فورية لتحقيق أهداف درجات الحرارة والتكيف الواردة في اتفاق باريس”. وستكون العناصر الرئيسية لهذا الإجراء هي تنفيذ السياسات المناخية على المستويين القُطري (البلدان) والإقليمي، وتقوية بنية المعلومات المناخية، وتوسيع نطاق الاستثمار المناخي.
يذكر أن فعاليات جلستيْ حول موضوع «المرونة والصعود والتضامن وحياد الكربون في دول الجنوب» و”الإنجاز على أرض الواقع.. العمل القُطري من أجل كوكب صالح للعيش فيه”، المنظمتين الأربعاء، حاولت “استكشاف الطرق المبتكرة التي يمكن للبلدان من خلالها تحقيقُ تأثيرات كبيرة تعمل على الارتقاء بمستوى جودة حياة الناس، عن طريق تطبيق سياسات تسرع وتيرة النمو منخفض الانبعاثات الكربونية والقادر على الصمود من أجل جذب القطاع الخاص بشكل أفضل وجذب المزيد من تمويل الأنشطة المناخية”، أوضح البنك الدولي.
المصدر: وكالات