يمثل الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس وقتل خلالها مئات الإسرائيليين فشلاً استخباراتيا يطرح تساؤلات حول سياسة إسرائيل تجاه الحركة التي تسيطر على قطاع غزة ويقول خبراء إنه أسيء تقديرها وفهمها، بحسب خبراء.
وقال الجنرال العسكري المتقاعد ياكوف أميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة 2011-2013، إن ما حدث هو “فشل كبير لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب”.
وإضافة إلى الفشل العملياتي لأجهزة الاستخبارات في الكشف عن لتخطيط للهجوم وفشل الجيش في منعه، فإن النهج الذي تتبعه إسرائيل إزاء حماس خطأ بكامله، وفق أميدرور.
وأكد الجنرال المتقاعد الذي يشغل الآن منصب زميل في معهد القدس للاستراتيجية والأمن في حديث مع الصحافيين “ارتكبنا خطأ فادحا، بمن فيهم أنا، لاعتقادنا بأن منظمة إرهابية بإمكانها تغيير طبيعتها”.
وتابع “سمعنا من أصدقائنا حول العالم أنهم يتصرفون بمسؤولية أكبر، وصدقنا ذلك من غبائنا”.
بدأت الأعمال القتالية فجر السبت بإطلاق وابل من الصواريخ من القطاع باتجاه بلدات إسرائيلية مجاوِرة وصولا الى تل أبيب والقدس. في هذه الأثناء اخترق أكثر من ألف من مقاتلي حماس على متن مركبات وقوارب وطائرات شراعية السياج الحدودي حول القطاع المحاصر وهاجموا مواقع عسكرية ومدنيين موقعين مئات القتلى كما أسروا 100 شخص على الأقل.
وقُتل أكثر من 700 إسرائيلي منذ بدء الهجوم، حسبما أعلن الجيش فجر الاثنين.
وفيما يخوض الجنود الإسرائيليون قتالًا صعبًا مع مقاتلين اختبأوا في البلدات الجنوبية نفذ الجيش الإسرائيلي ضربات أوقعت مئات القتلى في قطاع غزة.
تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حماس حركة “ارهابية”.
سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007 بعد أن طردت حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس منه، إثر اشتباكات دامية. حدث ذلك بعد عامين على انسحاب إسرائيل من القطاع.
خاضت إسرائيل وحماس أربع حروب في القطاع في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021.
وفي الحروب السابقة، آخرها عام 2021، شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية مدمرة على القطاع ردا على وابل من الصواريخ المتساقطة على إسرائيل.
وبهدف إقرار بعض التهدئة، زادت إسرائيل تصاريح العمل والتجارة مع غزة، فمنحت تصاريح عمل لنحو 18500 شخص من القطاع الذي يعاني من البطالة والفقر.
ظنت إسرائيل أن المزيد من المحفزات الاقتصادية مع التلويح باستخدام القوة العسكرية، جعل حماس تتراجع عن استراتيجيتها.
في تصريحات أدلى بها في وقت سابق هذا الشهر، أكد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي، أن على مدار العامين الماضيين، لم تلجأ حماس لإطلاق الصواريخ، في إطار قرارها لوقف العنف بأسلوب “غير مسبوق”.
وأضاف في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي في الأول من اكتوبر “حماس تمارس ضبطاً شديداً للنفس وتفهم معنى ممارسة مزيد من التحدي”.
إساءة تقدير
يرى مايكل ميلشتاين الذي يترأس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، أن مثل هذه التصريحات تظهر “أننا أسأنا تقدير حماس تماماً”.
وقال لوكالة “فرانس برس” إن “فكرة أن الحوافز الاقتصادية يمكن أن تقلل من دوافع حماس لممارسة الترهيب بل وتدفع الناس للوقوف ضدها انهارت تماما”.
وتابع “انت تتعامل مع منظمة راديكالية أيدولوجية. هل تعتقد حقا أن بإمكانك شراء أيديولوجيتها وليِّها؟ هذه إساءة فهم تام وربما ملأتها أضغاث أحلام”.
وأشار ميلشتاين وهو ضابط استخبارات متقاعد عمل في السابق مستشار مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) “بينما ظننا أن تنظيما متطرفا يتولى السلطة يتحول تدريجيا إلى حركة معتدلة، كانوا يكتسبون مزيدًا من القوة ويستعدون للمرحلة المقبلة من الحرب”.
ونوه إلى أن قيادة حماس كانت تقول علنًا إنها تنوي شن هجوم مماثل لذاك الذي حدث السبت.
وأضاف “هذه العملية تم التخطيط لها منذ قرابة عام وهذا أمر مذهل لأنه خلال هذا العام واصلت إسرائيل زيادة حجم تصاريح العمل والامتيازات”.
وأكد أن “التصور الإسرائيلي كان أن حماس لا ترغب بالتصعيد ولكن الأمر كان جلياً لكنهم لم يرغبوا في تصديق صحة ذلك”.
ولكن يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين تراجعوا عن ذلك. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، السبت إنه عندما كان رئيساً للجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي في عام 2019، أراد “كسر رقبة” حماس، إلا أن القيادة السياسية أوقفته.
ولكنه يقول إنه لم تعد هناك قيود. وأكد الإثنين أنه أمر بفرض “حصار كامل على قطاع غزة: لا كهرباء لا طعام ولا ماء ولا غاز. كل شيء مغلق”.
وأضاف “سنغير المعطيات على الأرض في غزة. ما كان من قبل، لن يعود كما كان”.