“حكايات صمود” تقصّها صورٌ اختارتها الدورة السادسة لـ”ملتقيات الرباط للفوتوغرافيا”، التي افتتحت أحدث معارضها في العاصمة، برواق باب الرواح، ويشارك فيه فنانون وفنانات من المغرب والسنغال ومالي وفرنسا والنيجر.
هذا الصمود الذي تحوم حوله صور المعرض يستلهم “الأحداث الهامة التي شهدها الربع الأول من القرن الحادي والعشرين”، الذي “تميز بالحروب والاضطرابات السياسية والاقتصادية، واضطراب المناخ والحرائق والفيضانات، والزلازل والتلوث والنزوح والتهجير القسري للأشخاص، والأزمات الصحية والأوبئة وعمليات الحجز المرتبطة بكوفيد- 19 وزلزال الحوز”.
وترى “ملتقيات الرباط للفوتوغرافيا” أن الصمود “ترياق ضد الشدائد والفوضى، وهو أيضا جزء من الصراع بين التدمير وإعادة البناء، بين التدهور والإصلاح، بين عدم الاستقرار والتوازن، وبين الانتظام وزيادة الاضطراب وما إلى ذلك، باختصار، بين الموت والحياة”. وتضيف “عندما نقول إن “الطبيعة تستعيد حقوقها”، فهذا يعني أنها ستنتهي يومًا ما بشفاء الجراح التي أحدثها الإنسان فيها. إن الصمود بهذا المعنى هو عندما نرى التربة تزدهر بعد سنوات من الجفاف الشديد. أليس هذا هو الدرس العظيم الذي تلقننا إياه النباتات التي تنمو مباشرة من الصخر؟”.
ولم يغب عن الدورة الحالية من “ملتقيات الرباط للفوتوغرافيا” ضحايا “زلزال الحوز”، حيث استحضرت ذكراهم بالمعرض الجديد، واستُحضر كونُ الفن، وضمنه الفوتوغرافيا، “قادر هو الآخر على خلق الشعور بالأمل في الحياة، وعلى الانخراط في تشييد مستقبل خال من المساحيق”.
ويقول جعفر عاقيل، رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي والمدير الفني للملتقيات، إن اختيار “حكايات صمود” موضوعا للدورة الجديدة “محطة جديدة تنضاف إلى التزام وانخراط في النقاش الدائر حول قضايا عالمنا الراهن، وخاصة عن وجود الكائن البشري ومصيره في هذا الكوكب.”
ويضيف “انطلاقا من هذا القلق الوجودي والفضول الفني يمكن تأمل منجز الفنانين الفوتوغرافيين وكذا الفنانين البصريين المشاركين في هذه الدورة، الذين رغم تعدد مقارباتهم وعدتهم الفوتوغرافية يتهاجرون في مقترحاتهم البصرية وتعبيراتهم الفنية، من خلال فضحهم البشاعات التي نعيشها في زمننا الحاضر، وأيضا من خلال التعبير بنظرتهم عن حالات التأقلم والصمود، وعن مواقف التكيف مع الصعاب ومع التقلبات التي تفرضها علينا إيقاعات مجتمعنا المعاصر.”.
ويتابع أستاذ مادة الفوتوغرافيا بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أن “منجز هؤلاء الفنانين، سواء من خلال أشكاله الإبداعية التجريبية أو معادلاته الفكرية الطلائعية، يمثل بحق وقفة تأمل في الوضع الراهن للإنسان المعاصر وأزماته وانكساراته وخيباته. ثم في الوقت نفسه يجسد مناشدة لبعث الآمال في النفوس والتطلع لآفاق جديدة والتَـمَسُّك بالحق الطبيعي للإنسان في الحياة.”
وتتوزع أعمال المشاركين، وفق المتحدث، بين صور تتبنى تضميد الجراح بغية الانبعاث من جديد، مثل ما صوّرته نسرين السفار وكريمة حجي، واختيار التصدي للكوارث الطبيعية ومكافحة آثارها، مثل ما تقدمه هند شَوَّاط وكريستيان باربي وسولاي أبدولاي، كما تحضر في المعرض دعوة لتحدي الأزمات الصحية مثل الجائحة أو الذاتية التي تباغتنا في الحياة لمنح وجودنا استمرارا، وهو ما تقترحه دياباتي فاتوماتي ونبيلة حليم وأليكسس مانشيون.
وفي المعرض أيضا نهج للمقاومة من أجل ضمان الحق في العيش عند موسى كالابُّو وموسى توري وبشير أمل وماساو كا دي جنيور، والفوتوغرافيا التي تصوّر اختيار أسلوب إعادة التدوير للانتصار على ثقافة الاستهلاك، كما قدمت ذلك فانتا ديارا، ومساءلة الذاكرة الجمعية للتغلب على النسيان وعوادي الدهر لدى فاطمة مزموز وعز الدين عبد الوهابي، والفوتوغرافيا أسلوبا توثيقيا لتشخيص وضع اجتماعي واقتصادي عند إبراهيم بنكيران وشابلي ألكسندر.
ونفى عاقيل أن يكون اهتمام الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي بمفهوم “الصمود” وتجلياته في الحياة اليومية “من باب الترف الفني أو حتى الفكري”، بل قال إنه نابع من وعي وانخراط مسؤول في “التحولات السريعة والماكرة التي يشهدها عالمنا المعاصر الموشوم بالهجانة والأنانية والشعبوية، وكذلك الاستهتار بكل الأشياء والحيوات.”
المصدر: وكالات