قال الدكتور عبد الله بوصوف إن “زلزال الحوز” شكل حدثا جيولوجيا استثنائيا أبان خلاله المغرب، ملكا وشعبا، أنه “سيّد اللحظة التاريخية”؛ من خلال الالتحام العفوي لمواجهة تداعيات الفاجعة.
وأضاف الأكاديمي ذاته، ضمن مقال توصلت به هسبريس، أن الحادث شكل مادة إعلامية حازت السبق في كل النشرات العالمية والصفحات الأولى لكبريات الجرائد والمجلات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ومنصة “إكس”.
وأبرز أن المعالجة الإعلامية لتغطية “زلزال الحوز” لم تخلُ من “تسييس” واستعمال الأخبار الزائفة ومن تهويل وتقزيم وتبخيس و”تجييش للرأي العام”؛ وهي صفات ومميزات انفردت بها خاصة قنوات الإعلام الفرنسي، واصفا إياها بـ”النشاز”.
نص المقال:
اهتزت الأرض، في ليلة الجمعة 8 شتنبر سنة 2023، بإقليم الحوز ودواوير الأطلس الكبير وتارودانت وشيشاوة؛ في أكبر وأعنف زلزال عرفه المغرب بلغ حوالي 7 درجات على سلم ريتشر، وتسبب في موت حوالي 3 آلاف مواطن/ة وضِعفهم من الجرحى، بالإضافة إلى خسائر مادية عديدة مست المباني السكنية وأماكن العبادة من مساجد وكنائس وبيع يهودية وكذا معالم مسجلة ضمن التراث الإنساني العالمي بلوائح منظمة “اليونيسكو”.
وقد جعل هذا الحدث الجيولوجي والبيئي والإنساني المغرب من جديد في قلب العالم؛ بسياسييه ومفكريه ومنظماته غير الحكومية وإعلامييه. فمن جهة، أصبح هذا الحدث مادة سياسية من خلال تصريحات ومواقف ورسائل المواساة من كل الزعماء والقادة السياسيين والدينيين في العالم، مع إعلانهم جاهزية بلدانهم لإرسال كل أنواع المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ بعد تلقي الضوء الأخضر من السلطات المغربية.
وشملت لائحة المتضامنين مع المغرب في هاته الكارثة الطبيعية مجموعة طويلة من ممثلي المؤسسات الدولية؛ كاللجنة الأوروبية والمجلس الأوروبي والفاتيكان والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وزعماء مجموعة العشرين (جي 20) المجتمعين يومي 9 و10 شتنبر الجاري بالعاصمة الهندية نيودلهي، إذ صرح الرئيس الهندي “Narendra Modi” في افتتاح الجلسة بقوله: “قبل بداية أعمال القمة، أود التعبير عن تعازيَ لقتلى زلزال المغرب، ونصلي من أجل كل الجرحى بالشفاء العاجل”، مبرزا استعداد الهند لتقديم كل المساعدات الممكنة للمغرب في هذه الأوقات الصعبة”.
وفي هاته “الأوقات الصعبة” أيضا تهاطلت على المغرب عروض المساعدة المادية واللوجستية والطبية من كل دول العالم؛ أمريكا وأوروبا والصين وروسيا والهند والدول العربية الشقيقة… حيث استجاب المغرب، في مرحلة أولى، لمساعدات كل من قطر والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة، وترك الباب مفتوحا لكل المساعدات الدولية الأخرى حسب احتياجات كل مرحلة من عمليات الإنقاذ والبحث والإغاثة والإيواء والتطبيب الى إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
لقد كان المغرب، ملكا وشعبا، “سيّد اللحظة التاريخية “؛ من خلال الالتحام العفوي لمواجهة تداعيات زلزال الحوز المدمر. وسيذكر التاريخ إصرار جلالة الملك محمد السادس على المساهمة في عملية التبرع بالدم لفائدة الجرحى من مواطنيه وتفقد حالتهم الصحية بمستشفى مراكش؛ ثم ترؤسه لثلاثة اجتماعات مهمة في ظرف زمن سياسي وجيز من أجل تدارس تداعيات الزلزال، ومناقشة التدابير الاستعجالية والبرامج المستقبلية من أجل إغاثة وإعادة إعمار المنطقة المنكوبة، وإعلانه عن التبرع من ماله الخاص في صندوق خاص لمواجهة تداعيات زلزال الحوز.
كما سيذكر التاريخ قوافل التضامن والشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية الأساسية، من كل فج عميق بالمملكة المغربية في اتجاه مناطق مراكش وتارودانت وشيشاوة وورززات ودواوير الأطلس الكبير وغيرها من المناطق المتضررة.
وسيذكر التاريخ توظيف المغرب لكل إمكانياته اللوجستية والبشرية وتجند جميع المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية والأمنية بتعليمات ملكية لجميع إمكانياتها البشرية والتقنية والحيوانات المدربة والمروحيات الطبية والطائرات بدون طيار من أجل البحث عن ناجين أو تقديم الدواء لضحايا الزلزال الذي ضرب مناطق ذات طبيعة جغرافية وعرة وتسبب في تدمير الطرق الجبلية والمسالك بين الدواوير.
بالإضافة إلى ذلك، سيذكر التاريخ مدى رغبة المغاربة في تجاوز كل تلك الصعاب وانتصار “تمغرابيت” من أجل البحث عن ناجين وإنقاذهم وإسعافهم وتقديم الطعام والماء والخيام، مباشرة بعد تلك الهزة الأرضية العنيفة.
إن قيم التضامن والتآزر والالتحام العفوي بين العرش والشعب هي أبرز ما ميز الأمة المغربية في أوقاتها الصعبة، سواء في زمن الحروب والكوارث الطبيعية ومقاومة الحماية والاستعمار؛ وهي القيم التي اعتمدها المغاربة في البناء والإعمار، وكانت حاضرة في أهم لحظات التاريخ الحديث مثل بناء طريق الوحدة وتنظيم المسيرة الخضراء ومواجهة جائحة كورونا وغيرها.
وهي القيم نفسها المترسخة في التقاليد الملكية العريقة والنبيلة التي برزت أيضا في بعث برقيات الشكر والامتنان من جلالة الملك محمد السادس إلى الدول التي ساعدت المغرب في محنته بالحوز، والتي توصل بها كل من العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس ورئيس حكومة تصريف الأعمال بيدرو سانشيز، والملك شارلز الثالث والوزير الأول البريطاني ريتشي سوناك، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
من جهة أخرى، فقد شكل زلزال الحوز مادة إعلامية حازت السبق في كل النشرات العالمية والصفحات الأولى لكبريات الجرائد والمجلات، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ومنصة “إكس” (تويتر سابقا).. ولم تخلُ المعالجة الإعلامية لتغطية زلزال الحوز من “تسييس” واستعمال الأخبار الزائفة ومن تهويل وتقزيم وتبخيس و”تجييش للرأي العام”؛ وهي صفات ومميزات انفردت بها خاصة قنوات اإاعلام الفرنسي التي كانت تعزف نَشازا، وظهرت عليها معالم الانزعاج واضحة بعد عدم رد السلطات المغربية على عرض المساعدة الفرنسية.
والواقع أن المغرب لم يرد أيضا على العديد من عروض المساعدة من دول كبيرة وصديقة؛ لكن إعلام تلك الدول اختار الالتزام بأدبيات الحياد والموضوعية وأخلاقيات مهنية في تغطية الكارثة الإنسانية، بدل منهجية الشحن والانتقام التي اعتمدت عليها بعض وسائل الإعلام الفرنسية التي ما زالت تسكنها العقلية الاستعمارية المتعجرفة؛ وهي العقلية نفسها التي ما زالت تسكن بعض الفاعلين السياسيين بباريس الذين استكثروا على المغرب، ملكا وشعبا، أن يكون سيد قراره السيادي في تدبير هاته الكارثة الطبيعية.
لذلك، لم نُفاجأ بتلك الفبركة الإعلامية الفرنسية الرخيصة ومحاولاتها للنيل من صورة المغرب ورموزه الدستورية والوطنية، وكذا من بمحاولات الضغط على المغرب من أجل دخول أراضيه عبر نافذة المساعدات الإنسانية بعد تعسر باب الدبلوماسية، والتقليل من شأن المؤسسات الدستورية والقانونية وتبخيس المجهود الخرافي للشعب المغربي وللسلطات المختصة في مواجهة تداعيات زلزال الحوز.
فهل تنويه الرئيس الأمريكي جو بايدن، أثناء اتصال هاتفي بجلالة الملك محمد السادس، بسرعة وفعالية ونجاعة تدابير زلزال الحوز وتعبيره عن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم المساعدات والخبرة يكفي لإغراق كل تقارير ومقالات ورسومات الإعلام الفرنسي المسموم في كوب ماء؟ أم يجب التذكير بترتيبات السلطات المغربية من أجل استقبال وتسهيل عمل الصحافيين والمراسلين المعتمدين بالمغرب وخلق “خلية خاصة” منذ الخامسة صباحا ليوم 9 شتنبر لتسهيل مهام وسائل الإعلام الدولية لتغطية زلزال الحوز؟
أعتقد أنه من المهم في هذا الباب توظيف لغة الأرقام، فهي أصدق من كل تصريح سياسي كاذب أو نداء مساعدة “مخادع”؛ فقد توصلت المصالح المغربية بطلبات أزيد من 80 مؤسسة إعلامية و300 صحافي وتقني، جاءت إسبانيا في المقدمة بـ17 طلبا متبوعة بفرنسا 13 طلبا ثم المملكة المتحدة بـ10 طلبات والولايات المتحدة الأمريكية بـ7 طلبات ثم الصين وكوريا الجنوبية بـ4 طلبات…
وتفيد الأرقام والبيانات نفسها بسيطرة التقارير والمقالات باللغة الإنجليزية بخصوص زلزال الحوز على أعلى نسب المتابعة والتأثير، وحلت المقالات باللغة الإسبانية المرتبة الثانية، فيما جاءت الفرنسية ثالثة.
كما أن مئات السياح وممثلي الشركات والوكالات السياحية العالمية ومئات الأوروبيين المقيمين بمراكش وأحوازها لحظة الزلزال قاموا بتوثيق تصريحات إيجابية وموضوعية؛ ومنهم من قام بالمتابعة والكتابة عن التضامن المغربي وعن تدخلات السلطات المغربية لحمايتهم وطمأنتهم. وهكذا، انتشرت العديد من الفيديوهات بالمواقع الإعلامية العالمية وعلى منصات التواصل الاجتماعي تحكي تجربتهم الشخصية مع زلزال الحوز؛ بينما التقطت كاميرات هواتفهم لحظات الخوف والهرب والبحث الجماعي عن مكان آمن وكذا لحظات التضامن والتآزر وامتداده إلى السياح والمهاجرين الأفارقة الذين اختاروا المغرب بلدهم ووطنهم الثاني.
لقد نقل هؤلاء الصحافيون المواطنون بكل صدق إلى كل العالم وبدون خلفيات سياسية وقائع حقيقة لزلزال الحوز، وأظهروا الحقيقة التي حاول صانعو الكراهية والتبخيس ومحترفو فبركة التقارير في الإعلام الفرنسي أن يشوهوها. وشاهدنا مقاطع التحدي والتآزر والتضامن وقوافل المساعدات الغذائية والطبية، وعجت مواقع التواصل بصور عفوية لبكاء على فقْد الأهل والجيران وصور الفرح بنجاة آخرين وإسعافهم وبصور إنقاذ الحيوانات وإطعامها، وحتى صور استقبال شاحنات المساعدات وتوجيهها إلى مكان إيواء الناجين… وتحدثت حكايات السياح الأجانب والمواطنين المغاربة عن لحظات صمت غريب قُبيْل الزلزال وصمت الصراصير المفاجئ وصعود جماعي للطيور إلى السماء، ثم وعودة الصراصير إلى غنائها الليلي معلنة عودة الحياة إلى طبيعتها..
لقد بدا واضحا أن العالم ليس في حاجة إلى عدسات أو أقلام أو أستوديوهات محطات التلفزيون الفرنسي من أجل قراءة ما جرى ليلة زلزال الحوز في شتنبر 2023، وأن التغطية غير المهنية وغير المحايدة لكارثة طبيعية وتداعياتها في جوانب إنسانية واجتماعية واقتصادية ونفسية قد عرت عن عقلية تحن إلى عهد الحماية والاستعمار وتعتبر المغرب “حديقة خلفية” ومجالا محفوظا لفرنسا ومصالح فرنسا؛ في حين أن المغرب حصل على استقلاله واستعاد سيادته بعد مقاومة شرسة من ملك وشعب ومفاوضات قوية لنخبه الوطنية وليس بعد استفتاء مشروط.
كما ساهمت تقارير الدول العربية الشقيقة بكل من قطر والإمارات والسعودية ومصر ومراسلات أعرق قنوات التلفزيون والصحافة ببريطانيا وبإسبانيا وبالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها في قراءة الصورة الحقيقية لأحداث زلزال الحوز لشهر شتنبر 2023 لكل العالم؛ من خلال مواد إعلامية مهنية عالجت الحدث بكل حياد وموضوعية وبطريقة متوازنة أسقطت ورقة التوت عن تغطية الإعلام الفرنسي المُسيس والمتحامل في لحظات حزن الأمة المغربية.
المصدر: وكالات