حفز الزلزال الكبير الذي ضرب مناطق الحوز وورزازات وتارودانت العديد من الدول التي كان المغرب يشهد معها “علاقات حادّة وخلافات واضحة”، من بينها الجزائر وتونس وفرنسا، على إعلان رغبتها في “المساعدة ودعم جهود الإغاثة الإنسانية” للمتضررين في المناطق القريبة من بؤرة “زلزال الحوز”؛ لكن العنصر الذي التقطه المحللون أنّ “هذه الفاجعة أعادت ترتيب البيت الدولي وفق مفاهيم التضامن”.
ويبدو أن الدول في اللحظات الصعبة تضع الصراعات جانبا. ومازالت عروض المساعدات والإغاثة مطروحة على طاولة الجهات الرسمية المغربية، التي ترتبها حسب الحاجيات والأولويات بالنّسبة للمناطق التي تعرضت لخسائر فادحة، منها مئات الوفيات والمصابين، بحيث تتواصل الجهود بالاستعانة بقوات الإنقاذ التي جاءت من دول عالمية مختلفة.
محمد بنحمو، مدير المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية، قال: “إن الشرط الإنساني دائما ما كان حاضرا في العلاقات بين الدول، لكن علينا أن نميز بين مبادرات ببعد إنساني محض وأخرى بحسابات سياسية أو جيوسياسية لتسويق موقف ما سياسويا”، مشيرا إلى أن “المبادرات التلقائية التي عبرت عنها جملة من الدول تندرج في هذا المد الإنساني، وتندرج في إطار علاقة الدول ومحاولة الوقوف إلى جانب بلد ألمت به فاجعة مؤلمة”.
وأكد بنحمو، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “البعد الإنساني حاضر فعلا بشكل رئيسي في العلاقات الدولية، ولا يمكن إلا تثمين المواقف التي انطلقت من الغاية في ترسيخ الترابط الأخلاقي المحض بين الشعوب”، وزاد موضحا أن “الدول التي تسعى إلى أن تكون إلى جانب المغاربة في هذه اللحظة المهمة تقدم صورة عن التضامن الذي يحكم المجتمع الدولي وقت الأزمات، بوصفها امتحانات عسيرة تختبر العديد من التصورات الجاهزة”.
وبالنسبة لمدير المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية فإن “هذا التضامن الدولي يؤكد كذلك مكانة المغرب في الخريطة الجيوسياسية العالمية”، مضيفا أن “بلدنا لم يمعن في إحراج أي دولة ولم يرفض دعم أي منها، وإنما رتب العروض الدولية للدعم وفق الحاجيات والمتطلبات، لأن الهدف هو أن تكون في إطار شامل يمكّن من تجاوز هذه المحطة، باعتبار أن الأولوية الآن ملقاة على جهود إنقاذ الأرواح”.
وثمن المحلل السياسي المغربي “التقاط البلدان الصديقة وغيرها نداء الإنسان”، مضيفا: “المغرب له من الخبرة والتجربة والكفاءات دوليا ما يجعله قادرا على مسايرة وتجاوز حدث من هذا الحجم، ولا يمكن بدعوى الشرط الإنساني أن يكون هناك انتهاك لسيادة الدول أو محاولة فرض مبادرات غير منسقة”، وختم: “الفواجع تكرس معنى الإنسان في العلاقات بين الدول، والدول المتضررة لها الحق في ترتيب عمليات التضامن”.
من جانبه قال العباس الوردي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “البعد التضامني يبقى عنصرا فاعلا في تنشيط العلاقات الودية بين الدول وتقليص البعد الحاد في الصراعات البينية”، مؤكدا أن “القانون الدولي الإنساني يحث على تقديم العون لأطراف المجتمع الدولي”؛ وأفاد: “الفاجعة التي حلت بالمغرب أكدت أن هناك تقديرا دوليا للمغاربة، تداخلت فيه اعتبارات عدة، سياسية ودبلوماسية وثقافية”.
وأضاف الوردي، وهو يتحدث إلى هسبريس، أن “الدول في الوقت الحالي تدرك أن بلدا ما في أزمة ويعلن حدادا وطنيا، وإذا قدم المجتمع الدولي عروضا للمساعدة دون قيد أو شرط فهذا من صميم البعد الإنساني الذي ما فتئ المغاربة يكرسونه في علاقتهم بالشعوب والدول بشكل نجح في بناء جسر حقيقي للقيم التضامنية والتعاونية”؛ وأضاف: “من بين الدول والشعوب من ترد الجميل ومنها من تريد ربط علاقات إستراتيجية متينة مع المغرب”.
ودعا أستاذ القانون الدولي إلى “التقاط هذا المنزع الإنسيّ ووضع جميع الخلافات والاختلافات جانبا”، مؤكدا أن “الدول جميعها يمكن أن تستفيد من الدروس التي تمثلها قيمة التضامن في اللحظات الصعبة”؛ وسجل: “يجب أن يتعقل المجتمع الدولي وأن نتحدث جميعا بلغة أخرى معجمها التعاون في احترام تام لشروط السيادة، بوصفها عنصرا ثابتا في العلاقات الدولية”.
وأجمل المتحدث سالف الذكر: “يجب ألا ننسى أن البعد التاريخي يكون دائما حاضرا في تشكيل صورة قوية عن بلد ما لدى المجتمع الدولي”، وزاد: “تاريخنا فيه شيء مشترك وقوي تحت تسمية ‘تمغربيت’، لأن المرحلة تعول على المغاربة أساسا حاليا”، خاتما: “الدولة المغربية تشهد ملحمة أخرى عنوانها المغاربة، وسيثبتون للدول المتضامنة مرة أخرى أنهم سينجحون في امتحان التاريخ”.
المصدر: وكالات