لا تسلم المقدسات المسيحية في كل المناطق الفلسطينية من أذى الاحتلال الإسرائيلي، إذ تواجه موجة اعتداء حادة تفاقمت خلال الأسابيع القليلة الماضية، تنفذها جماعات يهودية في مختلف المناطق الفلسطينية، وهذا ما تؤكده صحيفة «معاريف» الإسرائيلية التي نشرت تقريراً مطولاً في نهاية أغسطس الماضي، يؤكد أنه منذ انتخاب الحكومة الإسرائيلية وتعيين أعضاء الجناح المتطرف وزراء وأعضاء كنيست، بدأ سباق محموم لقمع أنشطة الديانات الأخرى، بما في ذلك المسيحية، خصوصاً في القدس التي تعد قلب الخلاف بين اليهود والمسيحيين الفلسطينيين.
ويكشف تقرير الصحيفة العبرية تعرض المقدسات المسيحية في القدس لنحو 40 هجمة عنيفة خلال الشهرين الماضيين فقط، شملت أيضاً الاعتداء على قساوسة ومقابر وشواهد قبور مسيحية، واقتحام كنائس، لتمتد تلك الهجمات العدائية إلى الداخل الفلسطيني المحتل.
أرض المقدسات
وعلى امتداد مدنها وأراضيها كافة، تعد فلسطين مهد السيد المسيح عيسى عليه السلام، ففي مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة كانت ولادته، ليترعرع في مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني الواقعة بالداخل المحتل، إذ أقام فيها 30 عاماً، أما مدينة القدس الشريف فتحتضن كنيسة القيامة داخل أسوار البلدة القديمة التي تسمى أيضاً «القبر المقدس» نسبة إلى قيام السيد المسيح من بين الأموات، بحسب العقيدة المسيحية. وانطلاقاً من هذه المكانة الدينية الخالصة، تعد فلسطين لدى الديانة المسيحية ذات أهمية خاصة، إذ تنتشر كنائسها وأديرتها ومعالمها التاريخية في كل أرجاء الأراضي المحتلة.
اقتحامات واعتداءات
كنيسة دير «مار إلياس» في منطقة ستيلا ماريس، على جبل الكرمل في مدينة حيفا المطلة على ساحل الداخل الفلسطيني المحتل، تعرضت لعمليات اقتحام عديدة، واعتداءات منظمة كثيرة من قبل مجموعات يهودية متطرفة، في أحداث منفصلة خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان آخرها في 27 يوليو الماضي.
وفي الاعتداء الأخير حاول متطرفون يهود، التسلل إلى الكنيسة مع ساعات الفجر الأولى، بحجة أنها قبر «النبي اليشاع»، إلا أن متطوعين في الكنيسة تصدّوا لهم، بحسب الأب ماكريوس جريس، من حيفا.
ويقول جريس في حديثه مع «الإمارات اليوم»، إن اقتحام «مار إلياس» في ساعات الفجر الأولى، يؤكد أن نوايا المتطرفين سيئة للغاية، لاسيما أن الدير يعد حقاً كاملاً وخالصاً للمسيحيين، ولا يوجد بداخله أي قبر، وهذا ما نؤكده دائماً.
ويضيف: «إن الحادثة الأخيرة سبقتها أجواء متوترة ومشحونة في (دير مار إلياس)، بعد محاولة مجموعة مكونة من 30 طالباً في مدرسة دينية يهودية إقامة صلوات تلمودية في مدخل الكنيسة، ما أدى إلى وقوع مشاحنات بين المصلين المسيحيين والطلاب اليهود».
ويسترسل جريس: «عقب الاعتداء الأخير، وجراء تعرض كنيسة (مار إلياس) لمحاولات عدة لاقتحامها من قبل المتطرفين اليهود، ثبتنا أبواباً حديدية على مداخلها في نهاية يوليو، ولكن جماعة المتطرفين يوجدون داخل منطقة قريبة من الكنيسة بشكل دوري، وهذا يحوّل المنطقة المحيطة بها إلى ساحة مواجهات».
ويشير إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على الكنيسة في حيفا خلال مايو الماضي، كانت بسبب اقتحام يهود «مار إلياس» لتأدية الطقوس التلمودية اليهودية، ومن ثم تتالت محاولات اقتحام الدير المسيحي بأعداد أكبر من المقتحمين اليهود خلال يونيو ويوليو الماضيين.
وفي الداخل المحتل أيضاً، وخلال الأسبوع الأول من أغسطس الماضي، منعت الشرطة الإسرائيلية آلاف الأشخاص من تسلق «جبل طابور» الواقع في القسم الجنوبي للجليل الفلسطيني الأسفل، ضمن احتفال مسيحي ديني حضره أكثر من 3000 مسيحي من عدة دول أوروبية.
مقدسات القدس المسيحية
ومن بين الاعتداءات الإسرائيلية بحق المقدسات المسيحية في مدينة القدس، ما شهده يوم 20 يوليو الماضي، إذ اقتحم عدد من اليهود أراضي الكنيسة الأرثوذكسية أعلى جبل صهيون إلى الجنوب الغربي من أسوار البلدة القديمة في المدينة المقدسة، ووضعوا أغطية على الأرض، ليعلنوا البقاء في المكان.
وأطلق اليهود الشتائم العنصرية عندما طلب منهم مسؤول في الكنيسة مغادرة المكان، ليصرخوا «جبل صهيون ملك للشعب اليهودي»، فيكسر أحدهم تمثالاً للسيد المسيح عند مدخل الكنيسة.
من جهته، يقول رئيس لجنة الإعلام في مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدسة وديع أبونصار: «إن مدينة القدس تشهد الاعتداءات بحق المقدسات الدينية المسيحية بشكل كبير من المناطق الأخرى، إذ نفذت الجماعات اليهودية خلال السنوات الخمس الأخيرة 157 اعتداء، طالت كنائس وأديرة تاريخية».
ويضيف: «إن اليهود ينفذون اعتداءات شبه يومية بحق رهبان وراهبات في البلدة القديمة بالقدس، عبر البصاق وتوجيه الشتائم النابية، وهذه الحالات تزيد من حدة وتيرة استهداف الديانة المسيحية في الأراضي الفلسطينية».