علاقات و مجتمع
من خلف الزجاج تطيل الدكتورة شيماء أبي الدرداء، خريجة دفعة 2007 بكلية الطب جامعة الإسكندرية، النظر لوالدها ووالدتها، وهم على رصيف القطار القادم من بحري باتجاه الصعيد، في مشهد لم يتغير بين الابنة ووالديها منذ 14 عاما، إذ يصرون على توصيلها حتى إقلاع القطار، لتبقى نظرات الوداع تجوب المحطة، تظل الهواتف سارية حتى تصل الابنة، تمر السنوات ويتقدم كل منهما في العمر، لكن لم يتغير المشهد التي وثقها والده بعدسة هاتفه، لتشاركها «شيماء» عبر صفحتها على «فيسبوك»، معلقة: «وصلت لسن الأربعين ولسه بابا وماما بيوصلوني».
مشاعر لم ينقصها الزمن أو تغيرها دوامات الحياة، فما يزال فؤاد كلا من الأب والأم متعلق بابنتهما، التي ينظران إليها وكأنها طفلة، رغم أنها وصلت إلى سن الأربعين، وأصبحت زوجة وأم، لقطات مصورة بل موثقة داخل محطة القطار أثناء توصيلها كالمعتاد، وثقتها الطبيبة، وضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد متكرر تعيشه أبويها منذ عام 2009.
طبيبة توثق أجمل لحظاتها مع والديها
أحيت الصورة حنين الذكريات، إلا أنها أخفت كثير من الكواليس التي عاشتها شيماء ابي الدرداء، وسردتها لـ«هن» وهي تعود بالزمن إلى 13 عاما مضت، موضحة أن القصة بدأت عقب التخرج من كلية الطب، وتكليفها في صعيد مصر، تحديدا محافظة قنا، ما قلب حياتها رأسا على عقب: «أنا جالي تكليفي في الصعيد، وأنا اصلا من الإسكندرية، طبعا أهلي صعب عليهم الغربة دي ليا، وأنا أصلا عمري ما طلعت رحلات بره إسكندرية، دقينا كل الأبواب علشان أحاول أعدل تكليفي حتى أو يكون في محافظة قريب من محافظتي، لكن بدون فايدة، واتقفلت الأبواب كلها في وشي».
الطبيبة عاشت سيناريو «بالطو» من 2009
لم تحظ المحاولات حينها سوى بالفشل، إذ باتت والدتها تبكي ليلاً نهارا، فالطبيبة كأنها تعيش ما عاشه «الدكتور عاطف» بطل مسلسل «بالطو»، من تكليف يبعدها عن أسرتها، وحياة اجتماعية لم تعشها من قبل، وعقول وعادات ربما لم تصادفها من قبل، لكن ما باليد حيلة: «جالي إنذار لازم أستلم التكليف، أمي كانت بتعيط، إزاي أتغرب في بلاد بعيدة كده لوحدي، ومليش أي حد لا من قريب ولا من بعيد، وإزاي هتعامل هناك لحد اليوم المعهود».
لم تنس الطبيبة مشهد الوداع على رصيف القطار، الذي تخلله البكاء: «بابا أخدني َركبنا القطر أكتر من 16 ساعه سفر، كنت أول مرة أسافر السفر البعيد ده، وكل محافظة تعدي عليا أتمني أنها تكون هي ديه، ورحت استلمت في الوحدة الصحية».
مشهد الأب المكلوم على ابنته لم يذهب من بالها قط: «بابا وهو ماشي كان بيبكي حرفيا، وبيوصي عليا طوب الأرض يخلي بالهم مني، وأنا وصلت واستلمت والرعب ماليني، وقلبي واجعني من الخوف، وأنا في مكان لوحدي معرفش حد فيه خالص».
ربما لم يكتف الأب بوداع الابنة، بل ظل فؤاده يحركه حتى سار خلفها في يوم لن تنساها طيلة حياتها: «استلمت الضهر الساعة 1 والمفروض بابا كان مشي بعد ما ودعني، ببص من شباك الوحدة الصحية لقيته قاعد قدام باب الصيدلية اللي في وش الوحدة، وإحنا بقينا العشاء، نزلتله قولتله روح يا بابا متخافش عليا، وإن شاء الله خير ربنا معايا، وسافر بابا بس لسه أنا مقدرش أسافر من غير ما أودعه».
سيناريو مسلسل «بالطو» عاشته الدكتورة شيماء، منذ 13 عاما، ليس فقط في مكان التكليف وتفاصيل الوحدة الصحية، بل وقوعها في حب دكتور صيدلية الوحدة، الذي طلب الزواج منها عقب شهرين فقط: «استلمت تكليفي شهر مايو 2009، وكنت مخطوبة لصاحب الصيدلية بعد شهرين، من هنا عرفت أن نصيبي كان متشال في بلاد بعيدة عني، وإن رب الخير لا يأتي إلا بالخير، انجذبت ليه»
سنوات غيرت فكر الطبيبة نهائيا، حتى باتت تنتمى لمحافظتها الجديدة: «حياتي اتقلبت هنا، وطبعا بنزل إسكندرية كل فترة لأهلي».
يشار إلى أن أحداث مسلسل «بالطو» شهد تكليف بطل العمل أيضا، فور تخرجه من كلية الطب في وحدة صحية بإحدى القرى البعيد عن منزله، لتتحول تلك الرحلة الصعبة لبلد غريبة عنه، لنفضة تحول مهمة في حياته، حيث بعيش قصة حب مع صيدلانية الوحدة.
مشهد متكرر على مدار 13 عاما
من الصعيد إلى الإسكندرية تأتي شيماء مرتين كل عام، في زيارة سريعة لوالدها ووالدتها للاطمئنان عليهما، إلا أن المشهد واحد في كل مرة لم يتغير: ««وصلت لسن الأربعين ولسه بابا وماما بيوصلوني».