يواجه الاتحاد الأوروبي العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين لأراضيه منذ عام 2015، مما يفرض ضغوطا شديدة على خدمات استقبالهم. ومن أجل مواجهة الأمر، يتطلع التكتل إلى إبرام اتفاق تعاون مع تونس، وإلى اتفاق أوروبي تاريخي يتعلق بقوانين اللجوء والهجرة.
وقد أثارت أنباء غرق المهاجرين في البحر المتوسط، واحتجاز سفن الإنقاذ، والمعاملة اللاإنسانية التي يتردد أن المهاجرين يتلقونها -كما تردد أخيرا عن اليونان- انتقادات وسائل الإعلام، والساسة، ومنظمات غير حكومية.
ودعت إيطاليا إلى تقديم الدعم وسط تزايد أعداد الوافدين غير الشرعيين إلى الاتحاد، على نحو واسع خلال الأشهر الأخيرة، كما تضاعفت الأعداد في العديد من دول جنوب أوروبا.
وقال وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاجاني، أخيرا: “الوضع الدولي في تدهور، وهو ما يدفع الناس إلى الرحيل عن إفريقيا والبحث عن موطئ قدم في أوروبا، عبر البلقان والبحر المتوسط”.
وأضاف تاجاني: “نعمل للسيطرة على الأوضاع، ولكن ثمة حاجة إلى تحرك من الاتحاد الأوروبي”.
وأعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني حالة الطوارئ على مستوى البلاد في أبريل الماضي، في مواجهة تزايد المهاجرين.
وحتى يوم 23 غشت الماضي، وصل 105 آلاف و909 مهاجرين إلى إيطاليا بحرا، بحسب ما ذكرته وزارة الداخلية الإيطالية، مقارنة بـ51 ألفا و328 في الفترة نفسها العام الماضي.
وقال متحدث الشهر الماضي إن المفوضية الأوروبية “على دراية بالزيادة”، وإنها تتعاون مع السلطات الإيطالية لتقديم العون في جزيرة لامبيدوسا، بالبحر المتوسط، والتي لطالما كانت بؤرة ساخنة لوصول المهاجرين.
ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إبرام المزيد من الاتفاقيات مع دول شريكة خارج الاتحاد الأوروبي، للسيطرة على الهجرة.
وقالت فون دير لاين في يوليوز الماضي: “يتعين علينا العمل بشكل أوثق مع بلدان المنشأ، والعبور (الترانزيت)”.
وأضافت أنه يجب على أوروبا تعزيز الاستثمارات لتحقيق الاستقرار لاقتصادات دول شمال إفريقيا، “وأن يكافحا معا، بشكل أكثر اتساقا، الجريمة المنظمة التي يقوم بها مهربو وتجار البشر”.
رحلات محفوفة بالمخاطر
وكان الطريق عبر وسط البحر المتوسط الأكثر تفضيلا بالنسبة للمهاجرين على مدار الأشهر السبعة الأولى من 2023. وغالبا ما ينطلق مهاجرو هذا الطريق من شمال إفريقيا وتركيا، لعبور البحر والوصول إلى إيطاليا. وتم تسجيل 89 ألفا و47 حالة وصول مهاجرين عبر هذا الطريق، بواقع أكثر من نصف محاولات الدخول، بحسب ما ذكرته الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس).
وأضافت “فرونتكس” أن من المتوقع وصول المزيد من المهاجرين عبر الطريق نفسه خلال الأشهر المقبلة، حيث يتقاضى المهربون أسعارا أقل، في خضم منافسة شرسة بين هذه الجماعات الإجرامية.
ورغم ذلك، أشارت الوكالة الأوروبية إلى أن البحر المتوسط لايزال خطيرا، حيث فُقِدَ أكثر من 2060 مهاجرا خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام.
الضغوط تزداد شرقا وغربا
كما شهدت جزر الكناري الإسبانية زيادة في عدد قوارب المهاجرين التي تبحر من غرب إفريقيا إليها.
وعلى مدار شهر غشت، وصل عدد من أنقذوا، أو وصلوا بالفعل إلى ساحل الكناري، 2692 شخصا، أي أكثر من الضعف مقارنة يوليوز.
وتتوقع منظمات غير حكومية زيادة أعداد المهاجرين إلى جزر الكناري خلال الأشهر المقبلة، في ظل أجواء طقس مواتية، والأزمة السياسية في السنغال، وعدم الاستقرار في منطقة الساحل بإفريقيا، والمجاعات في العديد من مناطق القارة.
وسجلت وزارة الهجرة في اليونان زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين، القادمين من ساحل بحر إيجه التركي إلى العديد من الجزر اليونانية خلال الأسابيع الأخيرة.
ووفقا للوزارة، بلغ عدد المهاجرين في مراكز استقبال اللاجئين بجزر ليسبوس، وتيشوس، وساموس، وليروس، وكوس، إلى 6669 في منتصف غشت، مقارنة بـ2964 في الشهر نفسه من عام 2022.
وبالاتجاه شمالا، تواجه بلجيكا أزمة حادة تتعلق بطالبي اللجوء، فقد زاد بشكل سريع عدد الأشخاص الذين وصلوا للبلاد مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يشكل ضغوطا على النظام المتداعي بالفعل. ولذلك، لن يتم توفير مأوى لطالبي اللجوء من الذكور، بعدما علقت الحكومة هذا النهج مؤقتا في الآونة الأخيرة.
طريق غرب البلقان لا يزال نشطا
وأشارت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل إلى تراجع عدد المهاجرين عبر الطريق الثاني الأكثر شعبية -غرب البلقان- فقد جرى اكتشاف أكثر من 52200 حالة، وهو ما يشكل انخفاضا بنسبة 26%، ويرجع ذلك إلى حد بعيد لتطبيق سياسات أكثر صرامة تتعلق بالتأشيرات.
وفي الوقت الذي انخفضت فيه أعداد مخيمات المهاجرين جنوبي البوسنة والهرسك بشكل واسع، لا تزال البلاد تشكل منطقة عبور للمهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي.
أما في سلوفينيا، فقد زاد بشكل ملحوظ عدد المهاجرين المسجلين الذين تمكنوا من الدخول بشكل غير شرعي في الفترة من يناير وحتى يوليوز، مقارنة بعام 2022. وأظهرت بيانات الشركة زيادة العدد من 10103 إلى 26871.
ووصل معظم هؤلاء عبر كرواتيا، التي انضمت لمنطقة شينغن في يناير الماضي..
ورغم ذلك، لم تشهد صربيا تغيرا في الأرقام. ومنذ بداية العام اجتاز حوالي 73 ألف مهاجر مراكز استقبال المهاجرين بالبلاد.
اتفاق تاريخي على مسار صعب
واتخذ الاتحاد الأوروبي عدة تحركات للتصدي للهجرة غير الشرعية، فبعد سنوات من الخلافات الحادة، توصلت الدول الأعضاء في يونيو الماضي إلى اتفاق يتعلق بنصين في “الاتفاق الجديد للجوء والهجرة”.
وينظر إلى الاتفاق، أو الإصلاح الشامل لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، على أنه “تاريخي”. واقترحت المفوضية الأوروبية الاتفاق في عام 2020 بهدف تحقيق هجرة ولجوء أكثر عدالة واستدامة في التكتل.
وبمقتضى الخطة الجديدة، يتم التعامل مع طلبات اللجوء خلال 12 أسبوعا، ويتعين توزيع جميع المهاجرين على دول الاتحاد الأوروبي الـ27 بناء على إجمالي الناتج المحلي لكل دولة وعدد سكانها، والهدف: إنجاز 30 ألف عملية توطين سنويا.
ويضع هذا الحل التوافقي آلية تضامن جديدة، ويقضي بأن قبول المهاجرين المؤهلين للحصول على اللجوء، لا يجب أن يكون أمرا طوعيا، بل إلزاميا.
وستدفع الدولة التي لا تريد استقبال مهاجرين مؤهلين تعويضا قدره 20 ألف يورو (21720 دولارا) عن كل مهاجر. وإذا ما اندلعت أزمة، تقرر المفوضية الأوروبية ما إذا كانت الدولة المعنية بحاجة للتضامن حال وجود زيادة في عدد المهاجرين لديها.
ويشكل اتفاق اللجوء والهجرة أساسا لمفاوضات تمرير التشريع بين دول الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك، واجه الاتفاق انتكاسة أولى في 26 يوليوز، عندما أخفقت دول الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق بشأن جانب رئيسي من الخطة المقررة، والذي يتعلق بقواعد الهجرة واللجوء في حالات الأزمات، على وجه التحديد.
واقترحت الرئاسة الإسبانية الدورية للاتحاد الأوروبي، بدعم من إيطاليا ودول أخرى، حلا وسطا، لكنه لم يتمكن من نيل دعم عدة دول، هي بولندا والمجر وجمهورية التشيك والنمسا.
وقالت ألمانيا وسلوفاكيا وهولندا إنها سوف تمتنع عن التصويت بعدما أعربت عن مخاوفها من احتمال خفض معايير منح اللجوء بموجب الاتفاق.
وتعتزم بولندا، التي تعارض بشدة السياسة الجديدة للجوء، إجراء استفتاء في نفس يوم عقد الانتخابات البرلمانية بالبلاد، 15 أكتوبر.
وسوف تطلب الحكومة البولندية من مواطنيها الإعراب عن آرائهم بشأن الإصلاحات المزمعة لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وهل يجب أن يكون الأمر إلزاميا بقبول حصة من المهاجرين، من عدمه.
اتفاق “نموذج الشراكة” المثير للجدل مع تونس
تلعب العوامل الخارجية دورا أساسيا في تدفق المهاجرين على الاتحاد الأوروبي.
ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع حكومة الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليوز الماضي، بهدف العمل معا من أجل كبح العدد المتزايد من المهاجرين الذين يستخدمون تونس كنقطة عبور، أو مغادرة، إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، في إيطاليا على وجه التحديد.
وتهكم منتقدون على الاتفاق ووصفوه بأنه غير أخلاقي، كما اتهموا تونس بمعاملة المهاجرين بشكل غير إنساني، في حين وصفه آخرون بأنه خطوة صائبة للحد من الهجرة على نحو دائم.
ووصفت رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي بأنها “نموذج للشراكة” مع دول شمال إفريقيا.
وترغب المفوضية الأوروبية في توفير 105 ملايين يورو لعمليات البحث والإنقاذ وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، إلى جانب 150 مليون يورو لدعم موازنة تونس.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لتونس أن تتوقع الحصول على قروض تصل إلى 900 مليون يورو، بأسعار فائدة منخفضة، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي على المدى البعيد.
ومذكرة التفاهم مع تونس جزء من نهج المفوضية الأوروبية لربط التعاون في مجال مكافحة الهجرة والاتجار بالبشر بالاتفاقات في مجال الاقتصاد والطاقة.
المصدر: وكالات