تناول بحث لنيل شهادة الماستر بكلية الآداب واللغات التابعة لجامعة محمد الصديق بن يحيى – جيجل- بالجزائر المنجز الأدبي “سيدي قنصل بابل” للروائي المغربي العراقي نبيل نوري لكَزار موحان.
البحث، المعنون بـ”توظيف الرمز في رواية سيدي قنصل بابل لنبيل نوري”، اشتغلت عليه طالبتان تخصص “آدب حديث ومعاصر” وحظي بمناقشة ثلاثة أساتذة من الجامعة المذكورة.
وتتحدث الرواية عن حياة طفل رأى النور في أحياء مدينة الدار البيضاء العتيقة، من أم مغربية وأب عراقي، يمضي نحو الحياة باحثا عن هويته، في رحلة أسماها صاحبها “رحلة فقدان الذات والضياع”.
وبين الولادة المتعسرة (الفصل الأول)، ورفض لمغادرة الدنيا بجناحين مكسورين (الفصل السابع والأخير)، تتهاوى فصول سيرة ذاتية، كُتبت بضمير المتكلم، يسرد فيها الكاتب تفاصيل ظروف اجتماعية قاسية عاشها رفقة والدته المنفصلة عن والده، مسلطا الضوء عن معاناته وهو يُبارز الزمن للحصول على جنسية وانتماء لوطن، “سيدي قنصل بابل… رواية تحكي حياة مواطن لدولتين عريقتين وتاريخ لحضارتين تمتدان من بلاد بابل وآشور إلى جبال الأطلس، إلا أن هاتين الحضارتين أبتا أن تستأصلا الحبل السري لجنين أطلق صرخته الأولى معلنا للدنيا قدومه ومنذرا للتاريخ أن يحرر له هوية مواطن…”، مما جاء في وصف الرواية.
ويستهل نبيل نوري لكَزار موحان روايته بمقدمة تشد القارئ وتلفت انتباهه إلى أزمة الهوية بقوله: “الكتاب هو سيرة ذاتية، تعرجت شخصيته بين أحداث ومواقف غلبت عليها التناقضات وكانت أولها كونه ابن لوطنين وبلا جنسية”. كما تسلط الضوء على دور الإنسانية في إحداث التغيير أو لغيابها في واقع الراوي: “… بين سطوره نلمس أن الإنسان صانع الفرق في محيطه وعوالم من حوله، فسلوك سيء يحول الواحة إلى صحراء، وسلوك نبيل يخلق بين الرمال أملا (…) بعيدا عن المجاملات وترقيع الحقائق فليس هناك ما هو أكبر قيمة من الإنسان نفسه، ولا هدفا أسمى منه.. فلا يمكن بناء وطن بشعب مهدوم؛ لأن الإنجاز لا يتوقف عند صناعة الصورة بل يتأتى بإعطاء فرصة للحياة وخلق الأمل في النفوس”، اقتباس من المقدمة.
ثم تنطلق أحداث الرواية، وبأسلوب رشيق، سلس، وقريب من القارئ، يشرع نبيل نوري في سرد أحداث مشوقة ينفض فيها الغبار عن معضلة التفاوت الطبقي الاجتماعي، والتي عاش تفاصيلها، عندما وجد نفسه يتنقل بين بيوتات “الأقارب وغير الأقارب”، في انتظار عودة والدته من عملها كخادمة في المنازل، فضلا عن مسكن “الأم حسنة” والتي تولت استضافته بمقابل مادي، بعد أن فقدت والدته عملها في أكثر من مرة أخذته معها إلى أماكن عملها.
هذا الصراع الطبقي لم يفارق الطفل نبيل، حتى بعد ارتياده الكُتاب، مؤسسة “أرض البشر” وهي الخيرية المتخصصة في دعم الأمهات اللواتي لا أزواج لهن، ثم المدرسة، إذ عمد في أكثر من “مشهد روائي” أن يبرز أوجه الاختلاف بين الأغنياء وأطفال الطبقة المتواضعة، واصفا الوضع من زاوية طفل يكتشف ذاته والعالم من حوله وهو يتنقل من مرحلة عمرية إلى أخرى.
ويأبى الروائي إلا أن يزيح الستار على جملة من الاختلالات التي تطبع المجتمع؛ كالغش في الامتحانات، أزمة الصحة والمستشفيات، التحرش الجنسي بالأطفال “البيدوفيليا”… وغيرها!
ولأن “التلميذ نبيل” لم يكن يملك أوراقا ثبوتية، رغم اجتهاده وتحصيله الدراسي المشرف، فإنه اختار مسارا تكوينيا آخر “أنا الذي لم يكن الفشل الدراسي في قاموسي يوما، أجد نفسي متوجها لمصيري المحتوم بكل ثقة واستسلام، إلى أن زارنا رجل وظيفته موجه في التكوين المهني، يلج الأقسام مقاطعا الدروس، ليملأ لائحته بأسماء التلاميذ المهتمين بإكمال دراستهم في أحد المراكز المهنية، وطبعا كنت من بين المنخرطين في لقاء مبرمج من طرف إدارة الإعدادية، للقائه والاستفسار أكثر في الموضوع فليس لي مستقبل في الدراسة بوضعي الحالي، فحتى لو أكملت للمستوى الثانوي فليس لي بطاقة تعريف مرقمة حتى أجتاز امتحان الباكالوريا”، اقتباس من الرواية.
في مقابل هذه الأحداث والتحولات التي عاشها نبيل نوري، كطفل، كمراهق وكيافع يضع أولى قدمه في عالم الشباب، كان البطل يتخبط في حرب ضروس وجد نفسه داخلها دون ذنب، وهو يتنقل رفقة والدته إلى السفارة العراقية في الرباط لإثبات عراقيته، دون أن يحدث الأمر في كل مرة، قبل أن يلجأ إلى الصحافة عله ينتزع حقه المشروع، بعد محاولته عقب غزو العراق وتغيير النظام الذي كان قائما. ليتمكن، بعد عشرين سنة من الضياع، من الحصول على الجنسية العراقية، ومن ثمة الانتماء إلى الوطن.
رواية “سيدي قنصل بابل”، بأحداثها المثيرة وبمشاعرها الحقيقية وبأحلام بطلها المشروعة، نصٌ أدبي يجمع بين الواقع والمتخيل…، بين الموجود والمفقود، بين دفء الأحلام وقساوة الأيام…!
هي رواية الغربة والتوطن… سبر لأغوار الذات وغوص في مناحي الحياة، وبحث متواصل لا متناهٍ عن الهوية والوطن والانتماء.
حري بالذكر أن نبيلا نوري لكَزار موحان، مؤلف “سيدي قنصل بابل”، صدرت له رواية ثانية تحت عنوان “هوموفوبيا”.
المصدر: وكالات