بالتزامن مع جهود مكثفة قادتها مختلف تشكيلات السلطات والقوات العمومية لقرابة أسبوع من الزمن نجحت في إخماد حرائق طالت مساحات شاسعة من “غابة مغراوة” الواقعة جنوبي إقليم تازة قُدّرت بنحو 800 هكتار، تُثار إمكانية تعويض الساكنة المتضررة من الحرائق كما الشأن في أقاليم جهة الشمال في يوليوز الماضي.
السيطرة الكاملة على هذه الحرائق لم تكن ممكنة إلا بفضل تعبئة شاملة لمختلف فرق التدخل التابعة للوكالة الوطنية للمياه والغابات والوقاية المدنية والدرك الملكي والسلطات المحلية والقوات المساعدة، بدعم من وحدات القوات المسلحة الملكية بطائرات “كنادير”، حسب آخر إفادات مراد الصفدي، المدير الإقليمي للوكالة الوطنية للمياه والغابات، لجريدة هسبريس، مؤكدا أنه “لم يتم تسجيل أي خسائر بشرية”، كما تم تجنيب ممتلكات السكان ومنازلهم مخاطر النيران بشكل تام.
خسائر الاقتصاد المحلي
الحريق الذي التهَمَ، منذ الجمعة الماضي، مساحات شاسعة من الغطاء الغابوي بجماعة مغراوة، الذي يمثل فضاء لرعي قطعان مواشي الساكنة المحلية، “خلّف هلاك أعداد كبيرة من الأشجار المثمرة، فضلا عن ثروات حيوانية تشكل مورد الرزق الأول واقتصاداً معيشياً للساكنة”، بحسب إفادة مولود أمغار، عضو بجمعية “تمورغوت للتنمية والتعاون والبيئة” فاعل مدني ابن المنطقة.
وأكد أمغار، في تصريح لهسبريس، أن “أغلب الأشجار المتضررة من حريق مغراوة، الذي يعد الأكبر صيفَ هذه السنة، تتنوع بين الزيتون واللوز، فضلا عن هلاك خلايا النحل المنتشرة بكثرة بالمجالات الجبلية في المنطقة، وكلها موارد فلاحية طبيعية تشكل مورد رزق للساكنة المحلية القروية، خصوصا بدُوّاريْ آيت اسماعيل وتمورغوث”.
“بناءً على المعطيات المتداولة في المنطقة، يبدو أن الجهات المختصة تتفاعل بالشكل المطلوب حتى الآن مع هذه الكارثة، ورغم ذلك نعتقد أنه من الضروري أن نتبنى نهجا تشاركيا للتفكير في مرحلة ما بعد إخماد الحريق؛ لأن للحريق الغابوي تأثيرات اجتماعية واقتصادية لا يمكن تجاهلها، خاصة في منطقة جبلية يعتمد اقتصادها على الفلاحة المعاشية وتربية المواشي والنحل”، يشدد أمغار.
في السياق نفسه، قال محمد العنصار، رئيس جماعة مغراوة التابعة ترابياً لإقليم تازة، إن “إحصاء الخسائر وتقييم الأضرار مازال جارياً مع ضمان أن يتم إخماد تام لجميع بؤر تجدد اندلاع الحريق”، موردا أن “الأضرار إلى حد اليوم الخميس تشمل 10 صناديق لتربية النحل، وعشرات رؤوس الماشية”، قبل أن يعبّر عن أمله في تعويض الساكنة عن كل ذلك.
وأكد العنصار، في حديث لهسبريس، أن “الغطاء الغابوي المتضرر بشدة يشمل شجر العرعار والبلوط والتايدة”، لافتا إلى أن “عملية الإنهاء التام لكل بؤر الحريق جارية”.
إرث غابوي مفقود
الفاعل المدني المحلي مولود أمغار اعتبر أن “تقدير الأضرار الذي يشكل مجال مسؤولية السلطات الوصية والمتدخلة لإقرار تعويضات للساكنة، يجب أن يشمل خاصة موارد مالية متأتية من أنشطة فلاحية، أبرزها تربية المواشي وتربية النحل وبيع العسل”، واصفا هذه الموارد بأنها “ثروة الفقراء في منطقة تعاني أصلا من ازدياد نسبة الهشاشة والفقر”.
ما حدث طيلة أسبوع هو “تهشيم مناظر طبيعية غير قابلة للتعويض المادي”، بحسب أمغار، لافتا إلى أن “غابات مغراوة معروفة بانتشار تشكيلات نباتية متعددة، أبرزها الأَرْز الذي يعد نوعية غير قابلة للتخليف الذاتي أو التجدد، ما يستدعي تسريع تدابير إعادة التشجير”.
المتحدث أشار إلى أنه “وإنْ كان سبب الحريق غير معروف إلى حد الساعة، فإن زوار الغابة وعشاق الاصطياف بها صيفاً ملزَمون بتطبيق تدابير السياحة الآمنة والمسؤولة إيكولوجياً”، مؤكدا أهمية “رفع الوعي وتحسيس السلطات الوصية بالتعامل مع الغابات عبر وضع لوحات تحسيسية وتحديد بروتوكولات سلوك صديق للبيئة”.
“نأمل أن تسهم وكالة المياه والغابات في تنفيذ خطة سريعة لإعادة ترميم المشاهد الطبيعية التي تضررت بفعل الحرائق. وتلك الجهود يمكن أن تلعب دوراً مهما في تحقيق التنمية المستدامة لهذه المنطقة الجبلية”، يختم الفاعل المدني ذاته.
تعويضات مأمولة
من جهته، ذكر مصدر مسؤول من “صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية” أن “القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، المنشور في الجريدة الرسمية في شتنبر 2016، يحدد نظام واختصاصات وكذا مجالات تدخُّل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية بوضوح”، مفيداً بأنها “لا تشمل التعويض عن وقائع أو مخاطر الحرائق”.
وزاد موضحا بهذا الخصوص: “الأمر يظل من اختصاص سلطات عمومية أخرى، أبرزها رئاسة الحكومة بتنسيق مع مصالح وزارة الداخلية المركزية واللاممركزة”، مستحضرا مثال “السنة الماضية حيث تم إقرار تعويض لفائدة المتضررين بأقاليم الشمال”.
ولفت المصدر نفسه إلى أن “نوعية المخاطر وتقييمها المتعلقة بالحرائق تظل خارج صلاحيات صندوق التضامن”، موردا أنه “لُبْسٌ طالما يثار عند انتهاء كل واقعة حريق”، خالصا إلى أن “المادة الثالثة من المرسوم الحكومي رقم 785-18-2 الصادر في أبريل 2019 حددت العوامل الطبيعية التي يمكن أن تشكل حدثاً أو واقعة كارثية على النحو المحدد في المادة 3 من القانون رقم 110-14”.
المصدر: وكالات