خلال العقود القليلة الماضية، استحوذت نبتةٌ صغيرة على انتباه العلماء، حيث اكتشفوا أن لديها إمكانات هائلة قد تُسهم في التغلُّب على بعض التحديات العالمية..
هذه النبتة أُحادية الخلية أو متعددة الخلايا والتي تضم نحو 100 ألف نوع، يملك كلٌّ منها مجموعة مميزة من الخصائص، تعتمد على عملية التمثيل الضوئي، وتنتج الطاقة عن طريق تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية، إنها الطحالب الدقيقة.
ويرى العلماء أن من الممكن أن يكون بمقدور هذه النبتة الإسهام في وقف التغيير المناخي، كما يمكن استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي وكبديل مستدام لمعالجة مياه الصرف الصحي، وحتى تغذية حيوانات المزارع ومزارع الأسماك.
في المملكة العربية السعودية كان للطحالب الدقيقة نصيب وافر من الاهتمام والدراسة. واليوم، وبعد 4 سنوات من إنشائه، أصبح في مقدور أحد مختبرات جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التنقيب والاستقصاء الحيوي عن السلالات المحلية من الطحالب الدقيقة، الأمر الذي يكسبه تأثيراً حقيقياً في تشكيل وتطوير مستقبل صناعة الطحالب الحيوية في المنطقة.
يقود المختبر الدكتور كايل ج. لويرسن، أستاذ الهندسة الحيوية المساعد في الجامعة؛ الذي يُعدّ متخصصاً وخبيراً في علم الأحياء التركيبي للطحالب، وهندسة التمثيل الغذائي؛ حيث يُعدّ هذا المختبر الوحيد المعني بالتقنية الحيوية للطحالب في شبه الجزيرة العربية.
وتتلخص مهام فريقه، في عزل وتحديد وتمييز أنواع الطحالب؛ التي تتكيف مع درجات الحرارة القصوى في المملكة العربية السعودية، لتزرع هذه السلالات المحلية في 22 مفاعلاً حيوياً، أنشئت خصيصاً لهذا الغرض.
يقول لويرسن: «لدينا أكبر مجموعة من المفاعلات الحيوية لزراعة الطحالب، مقارنة بأي مؤسسة أكاديمية في العالم».
وأضاف: «توضع كل سلالة جديدة في 6 مفاعلات؛ لتنمو في ظل ظروف متباينة؛ مثل: الضوء المستمر، التدوير صباحاً ومساءً، وفي داخل أحد المفاعلات تتم محاكاة فصول العام في السعودية: الشتاء والربيع والصيف والخريف».
ويضيف عالم الأحياء التركيبي للطحالب: «في خلال أسبوع واحد، يمكننا اختبار كل حالة من تلك الظروف على حدة؛ لمعرفة ما إذا كانت الطحالب تبلي بلاءً حسناً في الربيع أو الشتاء -مثلاً- أو ما إذا كانت ستنمو جيداً في زمن ومكان محددين، على سبيل المثال: في أغسطس على ساحل البحر الأحمر».
وتعرف الطحالب بقدرتها على النمو في مياه الصرف الصحي، وتحويل النيتروجين والفوسفور، مع ثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية، مليئة بالزيت والبروتين والكربوهيدرات، والأصباغ، والمياه النظيفة.
ورغم ذلك، ثمَّة حاجة إلى أنواع مختلفة تنمو في ظروف مختلفة، كما هو الحال في صناعة الألبان -على سبيل المثال-؛ حيث تنتج مياه الصرف مع درجة حموضة منخفضة للغاية.
يقول لويرسن: «نحن نعمل مع الطحالب التي تنمو عند هذا الرقم الهيدروجيني المنخفض، لذا يمكننا استخدامها في تنظيف مياه الصرف، فضلاً عن تحويلها ثاني أكسيد الكربون إلى كتلتها الحيوية في نفس الوقت».
بنك حيوي للطحالب
إلى جانب مهمة تحديد الظروف المثلى لنمو كل نوع جديد من الطحالب، أعدّ الباحثون، أيضاً، توصيفاً للطحالب وقياس إنتاجها؛ مثل: كمية الزيت والبروتين والكربوهيدرات. هذه معلومات مهمة للأشخاص الذين يرغبون في إنتاج الطحالب، لتغذية الحيوانات على سبيل المثال. هذه العملية ليست يسيرة، حيث قد يستغرق تحديد كل نوع وعزله وتوصيفه عدة أشهر.
يكشف لويرسن أنّ مختبره بصدد بناء بنك حيوي للطحالب، سيكون بمثابة مورد طبيعي للمملكة العربية السعودية؛ حيث إنّ فريقه قام بعزل أكثر من 60 سلالة -حتى الآن- ويزداد هذا العدد أسبوعياً.
لدى المختبر السعودي أكبر مجموعة من المفاعلات الحيوية لزراعة الطحالب، مقارنة بأي مؤسسة أكاديمية في العالم.
يعمل المختبر بشكل وثيق مع منشأة الطحالب التجريبية الجديدة في الحرم الجامعي لـ(كاوست)، بدعم من وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة، حيث يقوم بتطوير إنتاج طحالب عالية البروتين؛ لتغذية الاستزراع المائي، والسلالات التي تظهر تحملاً لدرجات حرارة الصيف القصوى في السعودية، تُنقل إلى منشأة الطحالب التجريبية؛ لتنمو وتختبر إنتاجيتها في الظروف الخارجية.
وفي هذا السياق، يشدد لويرسن على أهمية التفاعل مع مطوري التقنية في المملكة العربية السعودية.
بموازاة ذلك، يخطط لويرسن لتطوير برنامج دراسي، يُلبي المعايير الدولية في تقنية الطحالب والتعليم. يقول: «يتمثل دورنا، أيضاً، في إنشاء برامج تعليمية، لتأهيل الجيل القادم من مهندسي العمليات الحيوية على العمل مع الطحالب».
«أهمية الطحالب»:
وقف التغيير المناخي
إنتاج الوقود الحيوي
معالجة مياه الصرف الصحي
تغذية حيوانات المزارع والأسماك