بعد تداول فيديو “بيدوفيل الجديدة” وهو ينتهك عرض قاصر بالشاطئ أمام أنظار الجميع، تساءلت العديد من الفعاليات عن “عدم إصدار الطفل أي رد فعل”، مرجعة ذلك “ربما إلى كون الطفل لم يستطع التمييز بين اللمس الشاذ واللمس المقبول، الذي يعتبره البعض جزءا من المعيش اليومي للمغاربة”.
الحادثة أعادت النداء مجددا لإدراج مادة التربية الجنسية في المناهج التربوية المغربية، نظرا “لقدرتها على مساعدة الأطفال في فك مختلف شفرات أي سلوك”.
ورغم أن التربية الجنسية تمثل موضوعا خضع للتجاذبات السياسية والإيديولوجية في المغرب والمنطقة، فقد تشكلت، وفق البعض، “عند العديد من المغاربة صورة خاطئة عن محتوياتها وأهدافها البيداغوجية، بحيث مازال يُنظر إليها كشرعنة تربوية للانحلال”، وهذا بالرغم من تشديد دعاة هذه المادة مرارا على أنها “مضامين عادية تحمل هما ديداكتيكيا تربويا، غايته حماية التلاميذ والعناية بصحتهم الجنسية”.
وتعليقا على هذا الجدل، قالت سمية نعمان جسوس، جامعية باحثة في قضايا الجنسانية، إن “التربية الجنسية لها قدرة عملية لكي تبلغ للأطفال الكثير من الرسائل، خارج أشكال التخويف التي نعاينها داخل الأسر المغربية، بحيث تكتفي الأسر بتحذير الطفل دائما، رغم أن هذه العملية قد تخلق له ضعفا في الثقة في المحيط”، موضحة أن “التربية الجنسية تستطيع أن تلعب هذا الدور عبر الموازنة بين هذا التحذير وأثره العملي، الذي لا يشوش على الصحة النفسية للطفل ولا يؤثر على اندماجه المجتمعي”.
وأضافت جسوس، في حديث لهسبريس، أن “التربية الجنسية ستمكن الطفل من استيعاب أن من يلمس جسده أو أعضاءه التناسلية أو يقبل شفتيه، فهذا يستدعي التبليغ المباشر للوالدين أو للأستاذ، من أجل محاصرة الظاهرة أكثر”، مشيرة إلى أن “التربية الجنسية ضرورية اليوم، ولا يمكن رفضها أو إنكار دورها”، وزادت أن “الفقهاء لا دور لهم في وضع محتوياتها، بل يجب أن يسند الأمر إلى ذوي الاختصاص، خصوصا الأطباء والاختصاصيين في الصحة النفسية والأكاديميين، ولا يجب أيضا أن تتعارض هذه المحتويات مع قيم المغاربة”.
وسجلت الباحثة المغربية أن “الأمر يستدعي عملية تحسيس كبيرة، لأجل تنمية الوعي الأسري بأن فم الطفل أو الطفلة أو أجهزتهما التناسلية أماكن محصنة لا يحق لأحد أن يلمسها، بمن فيهم الوالدان”، معتبرة أن “التواصل الجسدي جزء من الثقافة الشعبية المغربية، ولذلك التربية الجنسية ستبين الحدود الفاصلة بين هتك العرض أو التحرش، وبين العطف والاحترام والتعبير عن المحبة أو المودة؛ فهي توعي الأطفال بأن هذه الشروط الإنسانية تنتهي عند حدود معروفة”.
وأفادت المتحدث بأن “التوعية والتحسيس والتربية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحوامل البيداغوجية الجديدة، كالصور والفيديو، لكونها أبلغ لإيصال الرسالة، لكن شرط أن تخضع لمعاينة مختصين وأن تكون بمعايير تراعي سن الطفل المستهدف”، موردة أن أن “مفاهيم من قبيل [الاغتصاب]، لا ينبغي أن يسمعها الطفل، وأن نشجعه على البوح بكل خطأ يحدث”، وختمت بالتشديد على أن “التربية الجنسية ستخدم الطفل والأسرة والمجتمع؛ لأنها تعيد بناء علائق جديدة للوعي بالظواهر الشاذة”.
من جانبه، قال سعيد لعريض، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، إن “ما يميز التربية الجنسية في الإسلام أنها جاءت وفق تعاليم القرآن الكريم وتوجيهات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليرسما معا منهجا حكيما للتعامل مع الفطرة البشرية في إطار الوسطية والاعتدال”، موضحا أنه “يمكن تسجيل أهمية هذه المادة وخطورتها في الآن نفسه؛ فالإسلام يحرص على تجلية مساحات من الغموض، ويزيل الكثير من اللبس عن ماهيتها وحقيقتها”.
وذكر لعريض، في تصريح لهسبريس، أن “القرآن الكريم ساق لنا مجموعة من قصص الأنبياء مع أقوامهم، كما وردت الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تبين أهمية تعليم التربية الجنسية للأطفال في الصغر ليدأبوا عليه من غير الخروج عن الفطرة السليمة”، مشيرا إلى “خطورتها تكمن في إمكانية تسجيل أي انحراف عن مقاصدها الشرعية، بحيث يمكن أن يحل الدمار بالبشرية، وهو ما تسعى إليه كثير من المنظمات الغربية، وللأسف حتى العربية والإسلامية”.
وأضاف المتحدث أن “مفهومنا للتربية الجنسية يقتضي مد المتعلم خصوصا بالمعلومات الشرعية والعلمية، والضوابط القيمية الموجهة للاتجاهات السليمة نحوها، بما يسمح بتعليم الناس المعلوم من الدين بالضرورة في إطار النمو النفسي والجسمي الفيسيولوجي والعقلي”، مشددا على “توجيه الذكر والأنثى إلى استيعاب مكونات الصفات الخلقية لهما، لا تعليمهما الجنس، كما يسعى إليه البعض”.
ونبه المتحدث إلى ما اعتبره “واجبا” على السلطة التربوية بالبلاد أن “توعي وتكرس أهمية التربية الجنسية في بعدها الشرعي، المؤسس على الحياء المحمود وعلى مشروعية مناقشة وتدارس القضايا الجنسية، لكن بأسلوب لا يكشف العورات، ولا يثير الغرائز، ولا يهيج اللذات، عن طريق التوسل بالكناية كما يقال. تربية جنسية تكون ربانية المصدر وواقعية الوجهة والهدف، استجابة للطبيعة الإنسانية”.
من جانب آخر، يذهب العديد من الباحثين في علم الاجتماع المغربي، منهم سمية نعمان جسوس، إلى أن “مادة التربية الجنسية يجب أن يتعرف عليها المغاربة خارج الأحكام المسبقة والجاهزة، لأجل تحقيق مصالحة ذهنية مع مادة أسُسها سليمة”، خصوصا أن هذه الفعاليات السوسيولوجية ترى أن “مناهضي التربية الجنسية لم يقدموا حتى اليوم حلولا عملية تساهم في محاصرة الظواهر الخطيرة على غرار الاغتصاب والبيدوفيليا”.
المصدر: وكالات