يبدو أن قدر القارة الأفريقية في السنوات القليلة الماضية هو أن تشهد صراعا تلو الآخر يعمق جراح جسدها المثخن بالمواجهات العسكرية والقتال.
فمع انغلاق نافذة المساعي والحلول السلمية للأزمة التي تشهدها النيجر منذ إطاحة العسكريين هناك بالرئيس المنتخب محمد بازوم بانتهاء مهلة الأسبوع التي حددتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للإفراج عنه وعودته إلى منصبه اليوم الأحد، يفتح الباب على مصراعيه أمام عمل عسكري جديد على أراضي أفريقيا.
ورأت صحيفة “واشنطن بوسطن” أن المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر لا ينوي التجاوب مع مطالب “إيكواس”، ونقلت عن مصدر لم تسمه أن المجلس طلب مساعدة مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة الروسية في التصدي لتدخل عسكري محتمل من قبل “إيكواس”.
وأعلن وزراء دفاع دول المجموعة، يوم الجمعة الماضي، أنهم انتهوا من وضع اللمسات الأخيرة على خطة التدخل العسكري في انتظار ساعة الصفر التي يحددها زعماء الدول الأعضاء في “إيكواس”. وجاءت هذه التطورات غداة فشل مهمة فريق وساطة أرسل إلى النيجر، الخميس، حيث لم يسمح له بدخول العاصمة نيامي للقاء قائد المجلس العسكري عبد الرحمن تشياني.
ونصح مجلس الشيوخ النيجيري، أمس السبت، الرئيس بولا أحمد تينوبو، الرئيس الحالي لمجموعة إيكواس، بالبحث عن خيارات أخرى غير استخدام القوة لاستعادة الديمقراطية في النيجر.
وأشار المجلس إلى “العلاقات الودية بين النيجيريين والنيجريين”، بحسب “واشنطن بوست”. جاء ذلك خلال مداولات المشرعين النيجيريين بناء على طلب الرئيس الذي أحاطهم علما بقرارات “إيكواس” ودور نيجيريا في الخطوة المقبلة، حسبما ينص القانون.
يذكر أن قرارات “إيكواس” تتخذ بإجماع الدول الأعضاء.
ويحذر مراقبون من أن غرب القارة الأفريقية سيتحول حال اندلاع مواجهة عسكرية إلى بؤرة صراع جديدة تضاف إلى نزاعات تثقل كاهل القارة المنهكة بالفعل جراء أزمات عدة، ليس أولها الإرهاب ولا آخرها أزمات الغذاء.
وبينما أبدت دول كنيجيريا والسنغال الاستعداد لإرسال قوات تحت مظلة “إيكواس”، اعتبرت دول أخرى كمالي وبوركينافاسو تدخل “إيكواس” في النيجر بمثابة “إعلان حرب” عليها، متوعدة بالرد، ما يشي بأن تلك المنطقة مرشحة لزيادة التوتر خلال الفترة المقبلة.
ويرى محللون أن هذه التحركات لا يمكن النظر إليها بمعزل عما يشهده العالم من صراع أشمل بين القوى الكبرى، معتبرين أنها حلقة في سلسلة المواجهات الدائرة بين روسيا وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة ومعسكرها من جهة أخرى، وأن هذه المنطقة من العالم ربما تضاف لأوكرانيا كساحة جديدة للنزال بين المعسكرين.
فالنفوذ الروسي يتعاظم في أفريقيا مع تراجع ملحوظ للدور الفرنسي الذي طالما كان حاضرا في هذا الجزء من القارة.
ولكن تبقى حقيقة واحدة بغض النظر عن هذه التأويلات والتحليلات، هي أن أفريقيا تواجه خطرا حقيقيا مع تنامي خطر التنظيمات الإرهابية في وقت تعاني فيه القارة من مشكلات معقدة على الرغم من ثرواتها الكثيرة التي تجعلها مطمعا طوال الوقت للقوى الكبرى.
فلطالما كان ينظر إلى النيجر على أنها آخر شريك يعتمد عليه بالنسبة للغرب في محاربة الإرهاب في منطقة شهدت العديد من الانقلابات العسكرية على مدار السنوات القليلة الماضية.
ويرى مراقبون أن المجالس العسكرية التي تولت مقاليد الحكم في عدد من الدول هناك لفظت وجود المستعمر الفرنسي السابق وعززت علاقاتها مع روسيا، حيث تعمل مجموعة فاغنر في عدد من تلك الدول، من بينها مالي، وكان لها دور كبير في تثبيت أركان الحكم فيها.
إلا أن دولا غربية، من بينها ألمانيا وفرنسا، تقول إنه لا دلائل ملموسة على تدخل روسي مباشر في انقلاب النيجر، لكن هناك “توجها انتهازيا بوضوح” من جانب موسكو التي “تحاول دعم مساعي زعزعة الاستقرار أينما وجدتها”، حسبما قالت المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، آن كلير لوجندر، لمحطة “بي إف إم” الإذاعية، واصفة مجموعة فاغنر بأنها “وصفة الفوضى”.
وأعربت باريس عن دعمها لجهود “إيكواس” لاستعادة النظام الديمقراطي في النيجر، وحذرت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، من أن التهديد باستخدام القوة “جدي”، داعية قادة الانقلاب في النيجر إلى أخذه على محمل الجد. وقالت: “الانقلابات لم تعد مناسبة… حان الوقت لإنهائه (انقلاب النيجر)”.
لكن الجزائر، التي تربطها حدود مشتركة مع النيجر، أبلغت وفدا زائرا من “إيكواس” أنها تعارض تدخلا عسكريا، على الرغم من أنها ترغب في استعادة النظام الدستوري.
من جهتها، وصفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية انقلاب النيجر بأنه “أكبر تحد لأفريقيا حتى الآن”، محذرة من أن “إعادة فرض رئيس النيجر (بازوم) يمكن أن يكون طلقة بداية الحرب في أنحاء غرب أفريقيا”.
وتحدثت المجلة عن المخاطر التي تواجه مهمة “إيكواس” العسكرية المحتملة، مشيرة إلى تاريخ التكتل المكون من 15 دولة، الذي أنشئ عام 1975 بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي عبر المنطقة.
وأشارت إلى أنه على الرغم من تمحور مبادئ “إيكواس” حول إنشاء وحدة تجارية واحدة، على غرار سياسات الاتحاد الأوروبي، لتكون كيانا اقتصاديا، وليس كيانا عسكريا أو سياسيا، فإن لها بروتوكولات دفاعية تنص على أن أي تهديد يواجه أي دولة عضو يعد تهديدا ضد الكيان ككل.
واستعرضت “فورين بوليسي” تاريخ إرسال “إيكواس” قوات لدول أعضاء من قبل، منوهة إلى أن النيجر هي سابع دولة في غرب ووسط أفريقيا تشهد انقلابا في الأعوام الماضية.
ونقلت المجلة عن كاميرون هادسون، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن “إيكواس” لم تفعل ذلك خلال الخمسة عشر عاما الأولى من تشكيلها، وأن المرة الأولى كانت في ليبيريا عام 1990، حينما عصفت الحرب الأهلية بتلك الدولة بعد أن أطاحت الجبهة الوطنية القومية في ليبيريا، بقيادة تشارلز تايلور، برئيس البلاد حينها صامويل دو، حيث اتخذت “إيكواس” خطوة غير مسبوقة بإرسال قوات حفظ سلام ساعدت في تشكيل حكومة مؤقتة وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات جديدة.
وبعد ذلك، نشرت “إيكواس” قوات حفظ سلام في سيراليون وغيينا بيساو وكوت ديفوار وليبيريا للمرة الثانية ومالي وغامبيا. وقال هادسون إن هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها “إيكواس” انقساما بين دولها الأعضاء، معتبرا أن الأمر يفرض تحديا كبيرا لسلطتها الإقليمية.
وأضاف إن النيجر لديها جيش كبير “ولا سبيل ممهدا لحدوث ذلك (التدخل العسكري) دون خسائر مدنية هائلة، ودون مخاوف من صراع إقليمي متنام”.
ويحبس مواطنو النيجر أنفاسهم ترقبا لما تحمله الساعات القادمة من سيناريوهات في ظل واقع يزداد تأزما يوما بعد يوم مع فرض العديد من العقوبات الدولية على بلد من أفقر دول العالم يعتمد بصورة كبيرة على المساعدات الخارجية.
المصدر: وكالات