إلى الواجهة من جديد، انبعث جدل “الحكم بالإعدام وتنفيذه في حق مرتكبي جرائم قتل وحشية”، مثل التي ذهب ضحيتها الشاب بدر نهاية الأسبوع الماضي بمنطقة عين الذياب بالدار البيضاء.
وتجدد مطلب إعدام قتلة الطالب الباحث بسلك الدكتوراه بعد تداول شريط فيديو لإحدى كاميرات المراقبة يكشف عملية الدهس التي تعرض لها الضحية بعد إشباعه ضرباً والاعتداء عليه بوحشية-بما في ذلك تعريضه السرقة-طالت أيضا رفاقه من طرف شركاء المتهم.
هذا المطلب أعاد إلى الأذهان نقاشات مماثلة سابقة بين رواد مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي في المغرب عقب كل جريمة قتل، وصار أحيانا حديث الرأي العام الوطني واشتد الجدل بشأنه بين مؤيد ومعارض.
في آخر مستجدات القضية، تم يوم الخميس 3 غشت الجاري إحالة خمسة أشخاص مشتبه في تورطهم في قضية قتل الشاب بدر بمطعم للوجبات السريعة في الدار البيضاء، ضمنهم المتهم الرئيسي، في حالة اعتقال، على العدالة. وتم تكييف الأفعال الإجرامية المنسوبة للمشتبه فيهم على أنها “تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد والسرقة الموصوفة ومحاولة القتل العمد والمشاركة”.
فعاليات حقوقية مغربية رصدت خلال 2022 “إصدار حُكميْن جديدين بعقوبة الإعدام بكل من الحسيمة وآسفي، مع تثبيت حكم في طنجة”، مشيرة إلى أن “المغرب أوقف عمليا تنفيذ الإعدام منذ ثلاثة عقود (1993)، إلا أن المحاكم المغربية مازالت تصدر أحكاما بالإعدام”.
وفي شتنبر من السنة الماضية، بلغ مجموع المحكومين بالإعدام 85 فردا بالسجون المغربية، بنسبة 0.09 في المائة من إجمالي ساكنة السجون البالغ عددها 96 ألفا و872 معتقلا، حسب ما تضمنه تقرير رسمي قُدّم بالبرلمان في شتنبر 2022. كما أن “الامتناع” مازال سيّد موقف المغرب بشأن المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لإلغاء عقوبة الإعدام منذ سنة 2007.
“مناهضة الإعدام لا تعني الإفلات من العقاب”
عبد الله مسداد، فاعل حقوقي عضو “الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”، قال: “وحجب التأكيد أولا أن ترافعنا لإلغاء عقوبة الإعدام وعدم تنفيذها، لا يعني التبرئة من الإجرام وإفلات المتهمين من العقاب، بل نحنُ مع الضحايا وعائلاتهم ونحس بمعاناتهم”.
وأضاف مسداد، في تصريح لهسبريس، أن “ترافع الائتلاف ومختلف أطياف الحركة الحقوقية بالمغرب يشتد في اتجاه إلغاء العقوبة بشكل تام من فصول القانون الجنائي المغربي”، مبديا تشبث الائتلاف باحترام منطوق الفصل 20 من الدستور، الذي نص بوضوح على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان”.
واستحضر عضو الائتلاف ذاته ما سمّاها “ثوابت حقوقية تؤطر المرجعية الكونية لحقوق الإنسان ويعدّ الحق في الحياة ثابتا منها”، مجددا التأكيد على “مناهضة الإفلات من العقاب أيّا كانت نوعية الجرائم المرتكبة”.
واعتبر الحقوقي نفسه أن “السياسة العقابية تطورت إلى سياسة حديثة أكثر تؤكد أن الاتجاه العام في العالم هو أن الإعدام حُكم غير مقبول حقوقيا”، مستشهدا بـ”ما خصلت إليه توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، والتوصية الثانية لقانون روما المؤطرة لعمل المحكمة الجنائية الدولية التي لا تحكم بالإعدام ولو في حالة جرائم إبادة جماعية”.
وأجمل القول: “هناك دينامية حقوقية للائتلاف حول الترافع في نقاش قانون السجون وقانون العقوبات البديلة وكذا المسطرة الجنائية، يتضمن مطلب إصلاح القانون وسحب جميع المقتضيات التي فيها أحكام تمس بالحق في الحياة”، لافتا إلى أن “الرأي العام المغربي يتأثر بسهولة بالظروف المحيطة التي يعيشها، من جرائم بشعة تحرّك العاطفة والتحريض على القصاص والانتقام… ومن الطبيعي أن ترتفع أصوات بين الحين والآخر مطالبة بتطبيق الإعدام”.
“قدسية الحياة” بين الجاني والضحية
من جهته، حاول عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إمساك عصا نقاش عودة المطالب بالإعدام بالمغرب من الوسط، موردا أنه “نقاش متجدد يثار حول القانون الجنائي المغربي في كل مرة ترتكب فيها جرائم بشعة تأخذ بُعداً في اهتمامات الرأي العام”.
“نحن أمام جريمة قتل عن سبْق إصرار وترصد”، يعلّق الخضري في تصريح لهسبريس، مضيفا: “نعيش مأزقا حقيقياً حول تبني موقف موحد وواضح حول عقوبة الإعدام وإقرارها”. وزاد شارحا: “لا بد من الاعتراف بمسألة أن الحقوقيين هم بين المطرقة والسندان، فمن جهة تقديس مبدأ الحق في الحياة وفق ما تقتضي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إلا أننا نتساءل في المقابل: هل راعى مُقترِفو هذه الجرائم الحق المقدّس لحق هؤلاء الضحايا في جرائم تقشعر لها الأبدان مثل حادثة الشاب بدر؟”
الحقوقي ذاته لاحظ أن “مُقترفي جرائم القتل البشعة غالبا ما يكونون متورطين سابقا في جرائم مشابهة وأفلتوا من العقاب”، معتبرا أنه “إشكال يزيد من تعقيد الموضوع؛ لأنه لو كان القضاء حكَمَ بحَزم لما تكرر الأمر”، محذرا من أن “المجرمين قد يَأمَنون العقاب ويسيئون للمجتمع”.
ودعا الخضري إلى وضع “الجرائم تحت مجهر الدراسة والتحليل بعمق من ناحية علم النفس الاجتماعي لكشف طبيعة المجرمين وبروفايلاتهم وتحديد مدى العدوانية والخطورة في تهديدهم لأمن المجتمع واستقراره، ما يسمح بتحديد العقاب المناسب”، مشيرا إلى أن “السجن المؤبد مع أشغال شاقة دون إمكانية العفو، يظل الحكم المناسب في حق هؤلاء”.
“بشاعة تستوجب التشديد”
المختار أعمرة، أستاذ القانون الجنائي وعلم الإجرام بكلية الحقوق بسلا، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، لم يُخف تأييده عقوبة الإعدام وتنفيذها، وعدم جعلها مجرد عقوبة صوريّة، قائلا في حديث لهسبريس إن “إقرارها يكون من منطلق البشاعة وتجرّد الجاني من الإنسانية بالقتل العمد والتمثيل بالجثث…”.
وضرب أعمرة المثال بواقعة بدر، التي قال إن “التكييف القانوني والقضائي للتهم مُوفَّق، وننتظر من العدالة أن تقر أيضا بالتعويض لفائدة أسرة الضحية يتناسب مع حجم الجريمة وهوْلها”.
“ما يُحسَب للقضاء المغربي أن جميع الأحكام بالإعدام خلال الثلاثين سنة الأخيرة، رغم وقف تنفيذه، كانت في حالة جرائم لا يمكن أن يتصورها العقل البشري، ويكون حكما عن قناعة يقينية للقاضي الجنائي، وليس فقط خضوعاً لتأثير الرأي العام وحجم النقاش العمومي بشأن الجريمة”، يورد المختص ذاته في علم الإجرام.
“تهديد للمجتمع”
الأكاديمي ذاته وصف “الأصوات الحقوقية المناهضة للإعدام بالمغرب” بأنها “تنحاز للجاني أكثر من الضحية، مبررة الأمر بأنها عقوبة لا إنسانية”، مستدركا بأن “كل من يشاهد فيديو واقعة الضحية بدر، يدرك أن مرتكبيها تهديد نفسي للمجتمع، والطالب الباحث خسارة للبلاد باعتباره كفاءة بحثية متميزة”.
وخلص أعمرة إلى أن “انتشار الجرائم بهذا الشكل وتكرارها من المتهم نفسه (تورط في قضيتين سابقتين للقتل في 2018) يترك صورة سيئة عن انتشار الأمن والتهديد المحدق بالمجتمع المغربي”، مستدلا بـ”الآثار السلبية لفيديوهات الإجرام وانتشاره على سمعة البلاد وصورتها لدى الأجانب”، خاتما بأن “الإصرار على ارتكاب الجريمة مسألة خطيرة تستوجب تشديد العقوبة”.
المصدر: وكالات