ما إن دخل فصل الصيف حتى أُخذ الناس في قارات العالم الخمس بارتفاع درجة الحرارة ارتفاعاً استثنائياً. واضطرمت الحرائق في غابات دول عدة. وأبلغت الجزائر عن وقوع أكثر من 30 قتيلاً في الحرائق التي اجتاحت الغابات عبر سبع ولايات جزائرية. ثم انتقلت عدوى الحرائق الى تونس المجاورة. وفي أتون القيظ والحرارة والرياح النشطة الساخنة اندلعت الحرائق في اليونان، التي اضطرت الى إجلاء عشرات الآلاف من السياح والسكان من أهم الجزر السياحية في البلاد، خصوصاً جزيرتيْ رود وكورفو، اللتين يعتقد بأنهما الأكثر جلباً للدخل من السياح الأجانب. وقبل أن يزول الفزع من حرائق اليونان، اندلعت النيران في غابات كرواتيا على البحر الأدرياتيكي. وعمت الكارثة الأراضي الإسبانية، وقطاعات من غابات فرنسا. أما في الولايات المتحدة وكندا فقد واجهت السلطات تحديات لا مثيل لها من الحرائق، وارتفاع درجة الحرارة، خصوصاً في أريزونا وكاليفورنيا؛ إذ بلغت نحو نصف درجة الغليان. وفيما تضطرم النيران، وتتحقق خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والمداخيل السياحية، يختصم العالم حول سبب هذه الظواهر المدمرة؛ إذ واكبها أيضاً حدوث فيضانات وأمطار موسمية غزيرة. هل السبب هو التغير المناخي، الذي أدى الى ارتفاع حرارة الكوكب وغلافه الجوي ومحيطاته؟ أم أنها ظواهر طبيعية تجتاح المعمورة من فترة لأخرى؟ ويرجح غالبية العلماء أن التغير المناخي هو المتهم الرئيسي، خصوصاً أن درجة حرارة الأرض ارتفعت بمقدار درجة ونصف الدرجة خلال الـ100 سنة الماضية. وللمسألة انعكاسات أخرى تتمثل في إلحاق ضرر جسيم بالحياة في مياه البحار والمحيطات، كما أن احتراق الغابات يحدث تأثيراً سالباً كبيراً في الغطاء النباتي، ويعيد جهود مكافحة التصحر، خصوصاً في شمال أفريقيا، الى المربع الأول. وبسبب تكرار هذه الحرائق، وما يرافقها من تبعات ونتائج، تراكمت لعمال الدفاع المدني والإنقاذ وخدمات إطفاء الحرائق خبراتٌ جَمّةٌ في كيفية التغلب على الصعوبات. فقد توصل الأمريكيون الى نظرية إقامة سياج ناري أمام الحرائق الزاحفة، في محاولة لحصر النيران، ووقف تقدمها. وفي أوروبا الغربية ترسخت نظرية «مربع الرماد»، الذي يتمثل في إشعال حرائق موازية أمام مسار النار، بحيث تجد النيران نفسها أمام مربع من الرماد الناجم عن الحرائق الموازية، فلا تجد النار ما تلتهمه فتخمد جذوتها وتنطفئ. وفي الجزائر ابتكر عمال الإنقاذ طريقة فريدة تتمثل في ضخ المياه بالطائرات على الأشجار التي لم تصل إليها النيران، حتى إذا ما وصلت إليها لم تجد يباساً يعينها على الانتشار ومواصلة التدمير.
وتعددت المحاولات للتوصل الى حلول ناجعة للظاهرة، من خلال مكافحة السبب الأساسي لها، وهو التغير المناخي. وتشمل تلك الحلول تشجيع استخدام الطاقة النظيفة، والطاقات المتجددة، والدفع بجهود التشجير. وكلها حلول لا تزال تواجه مشكلات البطء في التطبيق، وتباطؤ خطى عدد من الدول الكبرى حيال الحلول المستدامة، من خلال مؤتمرات التغير المناخي، والمعاهدات التي تم إبرامها لهذا الغرض. وتُعتَبر حرائق الغابات، المعروفة أيضا بحرائق الأدغال، أو حرائق البراري، أو حرائق الأحراش، من الحرائق الكبيرة غير المنضبطة. وتعزى الى أسباب عدة، منها ما هو طبيعي، مثل الصواعق التي تُطلق الشّرارة الأولى، إلى جانب الشرار الناجم عن الأحجار المُتدحرجة، والاشتعال التلقائي، والثورات البركانيّة. كما يمكن أن تندلع حرائق الغابات بسبب الإنسان مباشرة، أو غير مباشرة، من خلال الحريق المُتعمّد، وإلقاء أعقاب السجائر، وإشعال النار المُهملة من دون رقابة عليها، والشّرارة الناتجة عن سلك كهربائي مقطوع، وقطع مساحات شاسعة من الغابات. كما أن الحطب اليابس بين النبات يُسرّع الحريق ويُساعد على تفاقمه. وأنواع الحرائق هي: الحرائق التّاجيّة، وهي الأكثر خطورةً، خصوصا إذا طالت المدن والمباني. كما أن من الممكن أن تُعطل النيران المُرتفعة حركة الملاحة الجويّة فوق المنطقة المنكوبة. وهناك حرائق متوسطة، حيث تلتهم ألسنة النار كل النباتات المتوسّطة والمنخفضة الارتفاع. وهناك الحرائق السّطحيّة، حيث تجتاح النار الحياة النّباتيّة المنتشرة على المستوى الأرضي من الغابة. كما أن هناك حرائق أرضيّة، تتغذّى بالجذور الموَزّعة تحت الأرض، ومن المواد العضويّة. ويذكر التاريخ كوارث عدة سببتها العواصف النارية، أبرزها حريق بشتيغو الذي وقع في سنة 1871، ولا يزال حتّى اليوم يُصنَّف باعتباره الأقوى تاريخياً، بسبب نتائجه الكارثيّة، وأهمّها عدد الضّحايا الذي يراوح بين 1500 و2500 قتيل.
ومنها أيضاً «حريق 1910 العظيم»، الذي حصد 80 قتيلاً، منهم رجال إطفاء. كما امتدّت النّيران مسافاتٍ هائلةً سمحت بتصنيف هذه العاصفة باعتبارها الأكبر في تاريخ الولايات المتّحدة. كما أن من أبرز الحرائق الكارثية التاريخية حريق كاليفورنيا 2017، الذي دمّر نحو 6000 مبنى، وشرّد نحو 100 ألف شخص. وقد اجتاح هذا الحريق مسافة تتخطى 85 ألف هكتار.