طرح الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، عشرة تحديات لمواجهة المخاطر التي قد تعترض الأوراش الصحية، قائلا: “بعد المرحلة الأولى من مراجعة المنظومة الصحية وتعميم التأمين الإجباري عن المرض، التي خُصصت للتشريع والتقنين والتأطير الإداري، والتي تسير بسلاسة إلى حد اليوم، فإن المخاطر لن تتأخر في الظهور على السطح”.
أول التحديات التي طرحها حمضي ضمن ورقة بحثية يتعلق بـ”مصالحة المغاربة مع منظومتهم الصحية”، معتبرا أن “تحسين جودة الخدمات والعلاقة بين المواطنين والمنظومة الصحية بطريقة واضحة، ملموسة وسريعة”، يمر “من خلال تحسين حوكمة القطاع العام، وتنظيم القطاع الخاص، وضمان العدالة الترابية، وإزالة أوجه عدم الإنصاف في الحصول على الخدمات الصحية، وتعزيز الحكامة والشفافية”.
التحدي الثاني هو “بناء الثقة”، يقول حمضي، موضحا أن “التأمين الصحي يعتمد على التضامن والتوازنات التي تتطلب إشراك وثقة المواطن/المؤَمن، وانخراط المهنيين الصحيين وممثليهم، أخصائيي الرعاية الصحية وممثليهم، وإيصال هذه الرغبة في التغيير، وشرح أهمية المشروع وإسقاطاته الفردية والجماعية المتوقعة، وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد”.
وطرح حمضي ضمن التحديات “نساء ورجالا ذوي مصداقية”، فـ”جعل إرادة التغيير هذه ملموسة على أرض الواقع من خلال مؤسسات التدبير وإسناد المهام والهياكل إلى شخصيات معروفة بخبرتها وكفاءاتها التقنية ونزاهتها ومصداقيتها للتدبير الجيد ولبناء الثقة”.
وشدد الطبيب الباحث على ضرورة جعل القطاع العام جذابا، وشرح قائلا: “الصحة خدمة عمومية. وبالتالي لا بد من تعزيز وتحسين القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص غير الربحي، وتحفيز وتنظيم القطاع الخاص الربحي”.
وتحدث حمضي كذلك عن تحدي “سلة العلاجات التضامنية”، مبرزا أنه “لا يمكن لنظام التأمين الإجباري عن المرض الادعاء بأنه قادر على تقديم كل الخدمات وفي جميع الظروف لجميع المستفيدين، ولكن يجب أن يضمن الحق في الرعاية الصحية الأساسية ذات جودة وبإنصاف للجميع، ويمكن تمويل الخدمات التكميلية بطرق أخرى. ولذلك، من الضروري تحديد سلة العلاجات التضامنية وسبل الاستفادة منها بطريقة منصفة ومستدامة. وينبغي أن يكون القطاعان العام والخاص غير الربحي على استعداد للاضطلاع بهذه المهمة، مع تشجيع القطاع الخاص الربحي على التعاون لتقليل العبء والمصاريف المتبقية على كاهل الأسر”.
وأوصى الطبيب ذاته بتوفير “الرعاية الصحية الأولية”، وشرح بأن “الأنظمة الصحية الناجحة تعتمد على الوقاية والتربية الصحية، وتشجيع نظام الحياة الصحي، والرعاية أو العيادة الخارجية، والرعاية الأولية، وتعزيز الاستشارة الطبية ومسار العلاجات، والمستشفى النهاري، والاستشفاء في المنزل، بدلا من نظام يركز ويتقوقع على المستشفى”.
كما نبه حمضي إلى ضرورة “توسيع الاستفادة من الطرف الثالث المؤدي: إعادة تعريف التضامن وإنهاء التضامن المقلوب”. وقال إن “صندوق المقاصة المخصص لدعم الفقراء يخدم الأغنياء أكثر من الفقراء. يساهم العديد من أجراء القطاع الخاص المؤمنين من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي شهريا دون أن يتمكنوا من الاستفادة فعليا من الرعاية الصحية بسبب انخفاض الدخل (ثلثاهم يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور)، وعدم وجود نظام الطرف الثالث المؤدي في الخدمات الصحية غير الاستشفائية من استشارات طبية وأشعة وتحاليل وغيرها. ومن ثم، فإن الأقل دخلا يمولون نظاما لا يستفيدون منه، بل يستفيد منه أصحاب الدخول الأعلى، مما يدفع البسطاء للتخلي عن طلب وولوج الرعاية الصحية، مما ينسف كل الجهود”.
ويعد أبرز التحديات التي تواجه المنظومة الصحية هو المرتبط بالموارد البشرية. وفي هذا الصدد، قال حمضي إن “النقص في المهنيين الصحيين من أطباء وممرضين وغيرهم جلي بالفعل، ويتفاقم بسبب هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، وبسبب التحول الديمغرافي والوبائي نحو الشيخوخة والأمراض المزمنة التي تتطلب المزيد من الرعاية، وتعميم التأمين عن المرض الذي يضع مزيدا من الضغط على المنظومة، والدور الذي يجب أن تلعبه الصحة اليوم كعماد للتنمية”.
ودعا الباحث نفسه إلى ضرورة تكوين المزيد من المهنيين، وتحسين الأجور والدخل وظروف العمل، والتكوين المستمر والتطوير الوظيفي للتحكم في تدفق الهجرة، وتحفيز عودة الكفاءات الطبية المغربية بالخارج، بشكل نهائي أو مؤقت وجزئي، مع المساهمة في تعزيز النظام الصحي المغربي من بلدان إقامتهم حاليا من خلال قنوات وأوجه عدة.
وذكر حمضي في نهاية ورقته البحثية تحديين أخيرين، يتعلق الأول بـ”الإنصاف” والثاني بـ”الرقمنة”، وقال بخصوص بالأول إن “المساهمة في تمويل النظام كما الاستفادة من خدماته، يجب أن يخضعا لقواعد الإنصاف من أجل ديمومة المنظومة. مقاربة قائمة على حقوق الإنسان تأخذ في الاعتبار احتياجات الجميع (الجهات المختلفة والخريطة الصحية، القرى، النساء، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن، الفقراء، الأمراض النفسية، الخ)”، فيما دعا في التحدي الأخير إلى تسريع الرقمنة وتعميمها و”التغلب على التردد والمقاومة”.
المصدر: وكالات