عمدت الأسر الإماراتية قديماً إلى استخدام البنديرة، (علم أخضر) لزفّ البشرى بعودة حجاج بيت الله الحرام من الديار المقدسة، إلى وطنهم وأسرهم سالمين. وكان رفع «البنديرة» أو ما عرف أيضاً بـ«النشرة» أو «البيرق» يمثل دعوة لأهل المنطقة والحي لمشاركة الحجاج فرحتهم بالعودة إلى منازلهم بعد أداء مناسك هذه الفريضة. ويؤكد مختصون في التراث أن الاختلاف في العادات المرتبطة باستقبال الحجاج بين منطقة وأخرى طفيفة، أو غير ملحوظة، في حين تشترك جميعها في هذا «البرنامج الاجتماعي» الذي سبق وسائل التواصل الحديثة، مشيرين إلى الطريقة التي ابتدعوها لمشاركة مناسبتهم السعيدة مع الأقارب والجيران.
وشرحوا أن أداء مناسك الحج حتى منتصف القرن الماضي تقريباً كان مهمة شاقة، لأنها كانت تتطلب السفر بواسطة السفن عبر البحر أو براً بواسطة قوافل الجمال التي كان يقودها دليل، أي شخص ذو خبرة بمعالم الطريق المؤدية إلى مكة المكرمة.
وقال الباحث في التراث الإماراتي، أستاذ التاريخ القديم في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور حمد بن صراي، إن وسائل التواصل كانت ضعيفة جداً، الأمر الذي دعا الأسر لاستخدام ما كان يسمى بـ«النشرة»، وهي عبارة عن قطعة قماش تعلق فوق المنزل، أو على بابه، علامة على رجوع الحاج بالسلامة. ومرت هذه «النشرة» بمراحل زمنية مختلفة، فقد بدأت بقماشة خضراء عرف بها أهالي المدن الساحلية، ثم أصبحت الأسر تعلق الأعلام المحلية قبل قيام اتحاد الإمارات، للإعلان عن عودة الحاج من مناسك الحج، ثم تحولت إلى رفع علم دولة الإمارات، بعد الاتحاد. وقال بن صراي إن «اللون الأخضر علامة احتفالية، تحمل في طياتها شعوراً غامراً بالسعادة»، مضيفاً أن أهالي القرية كانوا يسارعون إلى البيت الذي يتزين بهذه العلامة لتقديم التهاني للحجاج، وفي المقابل كان الحاج يكرم زواره بالهدايا من المسابيح والكاميرات الصغيرة التي تتضمن صوراً للكعبة وماء زمزم والحرم الشريف، وغيرها.
وتابع أن كلمة «حجي» و«حجية» التي تطلق على من أدى فريضة الحج، ذات قيمة كبيرة، لأن حاملي هذا اللقب الكريم عادوا من الديار المقدسة وهم طاهرون، كما ولدتهم أمهاتهم. أما الباحثة في التراث الثقافي، بدرية الحوسني، فذكرت أن رواة المنطقة أكدوا أن الأسر كانت تعلق «البنديرة»، وهي قطعة قماش حمراء أو خضراء خارج المنزل، رمزاً لعودة الحاج سالماً إلى منزله بعد أدائه فريضة الحج. وكانت الأسر تستقبل الحجاج بالنثور، وهي عبارة عن نقود وحلويات قديمة كانت تباع بالدكاكين، إلى جانب أوراق الريحان والمشموم. وتابعت الحوسني: «كان الحاج يوزع الهدايا البسيطة التي أتى بها من مكة المكرمة، وهي عبارة عن قوارير صغيرة للكحل (الإثمد)، وسجاجيد الصلاة، وماء زمزم». وقال الخبير في التراث، بطي بن سالم المظلوم، إن كل مظاهر الاحتفال بعودة الحجاج على اختلاف تفاصيلها من بيئة إلى أخرى تجتمع على التعبير عن البهجة بقدوم الحاج من رحلة كانت تتسم بالخطورة والمشقة. ولفت إلى أن رحلة الحج لم تكن أمراً هيناً، فالقليل من الأشخاص من كانوا يتمكنون من الخروج لأداء هذه الفريضة.
وتابع: «كان الحجاج يستخدمون طريقتين في الذهاب، إما بحراً عن طريق السفن، أو مشياً على الأقدام عبر الصحراء، ومع الجمال من خلال القوافل التي يقودها شخص ذو خبرة بالطريق المؤدي إلى مكة المكرمة (الدليل)، ولذا فإن عودة الحاج سالماً بعد أدائه هذه الفريضة كانت تعتبر فرحة كبيرة لأهله وجيرانه ومحبيه». وأضاف أن وسائل التواصل كانت شبه معدومة، وكانت الأسر ترفع أعلام الإمارة قبل الاتحاد إلى أن تحقق الحلم، فاعتمد رفع علم الدولة كإشارة إلى عودة الحجاج سالمين. ومازالت مظاهر الاحتفال بهذه العودة قائمة إلى اليوم لدى الأسر الإماراتية، فهي تحرص على تحضير ولائم الطعام الشعبية، ودعوة الأقارب والجيران إليها احتفالاً بسلامة حجاج بيت الله الحرام.
لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.