استعرض وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أمام أعضاء المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 22 يونيو الجاري، “حصيلة تفاعل المملكة مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان” والآليات الأممية المكونة لها، مسجلا “الجوانب الإيجابية والمكتسبات المسجلة، المتمثلة أساسا في الانفتاح الكبير والزخم المهم الذي يشهده هذا التفاعل الذي تم في زمن قياسي لا يتعدى 9 أشهر عبر فحص ثلاثة تقارير وطنية، مما ساهم في تدارك التأخر الذي كان يميز تقديم الرباط لتقاريرها للآليات الأممية لحقوق الإنسان”.
وأوضح وزير العدل، أمام الحكومة، أن جلسة فحص التقرير الوطني في إطار الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل شهدت تدخُّل 120 دولة أبدت اهتمامها بمسار المغرب في مجال حقوق الإنسان، مُوجهة 306 توصيات، حظيت 87 في المائة منها بالقبول الكلي أو الجزئي. واستند هذا الموقف من التوصيات إلى قاعدتين جوهريتين هما الاحترام التام لالتزامات الاتفاقية كما صادقت عليها المملكة، والعمل بأحكام الدستور.
التزامات حكومية
سجلت الفترة المشمولة بهذه الحصيلة استكمال مسطرة المصادقة على البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما يعكس إرادة سياسية عليا للدولة ومنحى تطوريا عاما في هذا المجال.
وكشف وهبي التزام المملكة، عقب تفاعلها مع الآليات الأممية سالفة الذكر، بـ”إعداد تقارير مرحلية عن تنفيذ التوصيات الموجهة إليها”، مشيرا إلى “إعداد المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان برنامج عمل لتتبع إعمال مختلف هذه التوصيات بتنسيق مع الفاعلين المعنيين، مع الحرص على تقوية البعد الجهوي لهذه التوصيات لمواكبة الفاعل الترابي من أجل مساهمته في إعمالها”.
تقدُّم الحصيلة ولكن..
جميلة السيوري، خبيرة مغربية في الترافع حول حقوق الإنسان، قالت: “كمجتمع مدني، طالما كانت هناك إشادة مرارا بالتقدم في الممارسة الاتفاقية للمغرب في حقوق الإنسان منذ 2011، وهذا ما عبرنا عنه في تقريرنا الاستعراض الدوري 2017 وكذا التقرير الراهن”.
وأكدت رئيسة دينامية “عدالة”، التي تضم 18 هيئة حقوقية مغربية متعددة المشارب، في تصريح لهسبريس، أنه “بقدر ما تقدَّمْنا في المصادقة على اتفاقيات دولية وتفاعل مع التقارير وتدارك التأخير في الاتفاقيات، إلاّ هناك تقاعسا في التفاعل مع بعض الآليات التي تهم زيارة بعض المقرّرين الأمميِّين الخاصِّين، الذين لم يسمح لهم بزيارة المغرب إلى حد الساعة”، ضاربة المثال بـ”مقرر استقلالية القضاء، حريات التعبير والتجمع، التي تهم مجموعة حريات أساسية مازالت تعرف اليوم نقاشا كبيرا وعمليات أخذ ورَد”.
وبينما نوهت السيوري بـ”إصلاحات قانونية متتالية بمنظومة حقوق الإنسان المغربية”، استدركت بأنها “تظل دائماً تجزيئية وغير شاملة وغير مندمجة”.
“الملاءمة ضرورة”
كما أثارت الحقوقية ذاتها، في سياق حديثها، “عدم ملاءمة القوانين الوطنية للاتفاقيات الدولية، بل في بعض الأحيان للدستور نفسه”، لافتة إلى “انعكاس قوي يطال أساسا السياسات العمومية في مجال الحقوق والحريات وحماية فِعليَّتها”.
وحذرت المصرحة لهسبريس من “الانعكاس الذي يمس وجها آخر، هو تنامي الممارسات التي تنحو إلى انتهاك الحقوق والحريات (فض التجمعات والتظاهرات، تقليص الفضاء الجمعوي والعمومي، حرية التعبير …)، مضيفة أن “العدالة رغم ورش إصلاحها إلا أن ولوج الفئات الهشة إليها لا يزال ضعيفاً ومتعثرا، فضلا عن انتشار الإفلات من العقاب.
وسجلت رئيسة جمعية “حقوق وعدالة” ضرورة “ملاءمة قانونية-حقوقية شاملة ترقى إلى الحماية الفعلية للحقوق والحريات والعمل على تنزيل مقتضيات الدستور، خاصة تنزيل مقتضيات مؤسسات الحكامة المتأخر إخراجها إلى الوجود منذ 2011، كتلك التي تخص قضايا المناصفة، الأسرة والطفل والشباب”.
ولفتت السيوري إلى غياب تام لبعض “الآليات الحمائية الوطنية”، مثل آليات حماية الصحافيين وبعض الفئات الاجتماعية الهشة، منتقدة “تعثر قانون الجمعيات الذي يلبس جُبّة القديم”.
“تصالُح” مع الآليات الأممية
من جهته، أكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن “تفاعل الحكومة مع الآليات الأممية جاء بالتدريج مُتراكِماً وآخذاً بعين الاعتبار مجموعة من الملاحظات المثارة حقوقيا بعد العمل بدستور 2011”.
وأوضح تشيكيطو لهسبريس أن “سياسة الدولة تسير في اتجاه محاولة التصالح مع آليات حقوق الإنسان الأممية، رغم أن الأمر لا يتعلق ببرامج حكومية تحترم حقوق الإنسان بشكل تام”.
وأشاد بـ”دينامية رسمية حقوقية تعيشها بلادنا”، موردا أن “ما تضمنه عرض وهبي أمام المجلس الحكومي يجعلُنا نسجل إيجابيا وبارتياح هذه الدينامية التي تُحسب في ميزان الدولة الحقوقي، خاصة أن انتقادات عديدة في السابق سجلت عدم تفعيل مضامين الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان”.
تنفيذ التوصيات
وتابع تشيكيطو قائلا: “يجب أن يخلص تفاعل المملكة مع منظومة حقوق الإنسان دوليا إلى تكريس الفعل الحقوقي ترابيا ووطنيا، كما يتعين أن نراه في تعامل وسلوك الدولة مع القضايا الحقوقية المثارة، لا سيما من حيث الالتزامات وتنفيذ التوصيات”.
فضلا عن التقارير الوطنية الرسمية، يورد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن “التقرير الموازي للفعاليات المدنية في الاستعراض الدوري بجنيف يسجل أن مجموعة من التوصيات لم يتم تفعيلها رغم مصادقة المغرب على اتفاقياتها”، مضيفا: “نحن كممارسين لم نلمس فعليا أن التوصيات نُفذت”.
ودعا الفاعل الحقوقي ذاته إلى “تصفية الجو الحقوقي الحالي عبر إصلاحات تشريعية حقيقية والإفراج عن المعتقلين، مصحوبا بتفعيل الحريات العامة على مستوى الممارسة”، ملاحظاً أن “هناك تُخمة تشريعية واضحة في الحقوق مقابل تراجع في الممارسة والتنفيذ”.
المصدر: وكالات