يحاول بعض المؤثرين الاجتماعيين على مواقع التواصل الاجتماعي تصدير صور خادعة عن أنفسهم، تظهرهم على غير حقيقتهم.. فهم – وفقاً لما ينشرونه على صفحاتهم – يقضون جلّ وقتهم متنقلين ما بين المركبات الفارهة واليخوت والشقق الخيالية، مرتدين ملابس باهظة ومجوهرات وساعات ثمينة.. بما يوحي بأن حياتهم عبارة عن عطلة طويلة في فندق أو منتجع.
وفيما يغذون رغبة التباهي والتفاخر في أعماقهم، ساعين للحصول على مزيد من المتابعين، يجد آخرون أنفسهم محاطين بمشاعر الخيبة والطاقة السلبية، لأن النتيجة الوحيدة التي يتوصلون إليها، وهم يتابعون فيديوهات المشاهير، هي أن بذل المجهود والكدّ والسعي الدائم لتطوير الذات لم تعد الأدوات المناسبة لتحقيق الطموحات.
ويؤكد مختصون أسريون خطورة الانسياق وراء ما ينشره مؤثرون اجتماعيون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويصورون من خلاله الجانب الإيجابي فقط من حياتهم، والرفاهية والبذخ التي يحظون بها، ما يترتب عليه شعور متابعين لهم بأن حياتهم ليست جيدة، وأنهم يعانون مشكلة ما تمنعهم من تحقيق أحلامهم.
وتفصيلاً، حذرت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، من أن الحياة الباذخة والمظهر الخارجي المثالي وأسلوب الحياة الفارهة، تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنه «ليس كل ما تراه أعيننا عبر المنصات حقيقياً وواقعياً»، فيما قال الاختصاصيون الاجتماعيون، محمد بشر، وفؤاد السعدي، ونادين شعيب، وزينب رياض: زادت أخيراً أعداد مقاطع الفيديو التي يروج أصحابها للحياة الباذخة، والمظهر الخارجي المثالي، وأسلوب الحياة الفارهة، وحول بعض المؤثرين وصنّاع المحتوى حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي إلى نافذة للاستعراض والتنافس والمقارنة، ما أثر سلبياً في كثير من المراهقين والشباب، ودفعهم إلى عدم الرضا بحياتهم ومستوى معيشتهم.
وحذروا من تسبب هذه الظاهرة السلبية في زيادة نسب الاكتئاب والتذمر وعدم الرضا لدى الشباب، نتيجة سيطرة محتوى التباهي والتفاخر وادعاء المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث «تسهم هذه السلوكات الخطأ في تنشئة الشباب على الاهتمام بالمظاهر والتباهي على حساب العمل والإنجاز».
وأشاروا إلى أن الكثير من فيديوهات البذخ والتباهي، التي غالباً ما تكون غير حقيقية، تولد في نفوس مشاهديها النقمة لعدم استطاعتهم مجاراة ما يرونه، وإحساسهم بأنهم سيئو الحظ، ما يحول تفكيرهم كلياً إلى كيفية تقليدهم، والوصول إلى هذا المستوى بغض النظر عن الطريقة، مشيرين إلى أن «هذه الحسابات باتت مصدراً للطاقة السلبية، وظهر التأثير السلبي لصناع هذا النوع من المحتوى في زيادة أعداد الشباب الرافضين لنمط معيشتهم».
وطالبوا ببث برامج اجتماعية وتوعوية توضح لأفراد المجتمع أن الصّورة التي تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي غالباً ما تكون أكبر بكثير من الصّورة الحقيقية على أرض الواقع، وغرس شكر النعم في النفوس، خاصة الصغار والشباب، والبحث عن النماذج الحقيقية الناجحة لإظهارها، وإيضاح رحلة كفاحها والأسباب العلمية والعملية التي سلكوها للوصول إلى هذا النجاح.
وأشار مسؤولون في فنادق، وليد فوزي، وأماني جاد، ونيرة خلف، إلى أن كثيراً من صور وفيديوهات المؤثرين وصناع المحتوى في الفنادق والمطاعم تكون بغرض الترويج لهذه الأماكن، ويحصلون مقابلها على إقامة مجانية لمدة يوم، أو دعوة على الغداء أو العشاء، فيما يعتقد كثير من المتابعين أن هذا هو نمط حياة هؤلاء المؤثرين، وأنهم ينعمون بحياة مترفة لا تخلو من الكماليات، على عكس حياتهم ومشاغلهم اليومية لتغطية تكاليف المعيشة والالتزامات الأسرية، ما دفع بعض الأزواج إلى إنشاء حسابات مشابهة، وأشركوا فيها أطفالهم، وباتت تفاصيل حياتهم على مرأى ومسمع من الجميع، أملاً في الوصول إلى مكاسب توفر لهم هذه الحياة، إلا أن نتائجها كانت عكسية وتسببت في كثير من الحالات إلى الطلاق وانهيار الأسرة.
وقال أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية في دبي، الدكتور سيف راشد الجابري: «مما ابتلي به شباب اليوم، الوهم تحت تأثير المخدر الإلكتروني لـ(السوشيال ميديا)، ما أوجد عثرات كثيرة يقع فيها الشباب من خلال نظرتهم إلى المحتوى الإعلامي في مسألة الرفاهية الكبيرة والبذخ السخي والحياة الوردية المعروضة على هذه المنصات، وهذا مخالف لواقع الحياة المعيشية».
وأضاف الجابري: «قيام صنّاع المحتوى بنشر رفاهية البذخ، بهدف التأثير في الرأي العام، وفي كثير من الناس، نتيجة مقاطع فيديو تسعى بطريقة أو أخرى إلى دفع الشباب لمتابعة هذا المحتوى الخيالي المخالف للواقع، خصوصاً أن أكثر هذه الفيديوهات من غير المواطنين، وأحياناً يكونون خارج الدولة، ويحرضون شباب الدولة على الانخراط في هذه التجارب، ما يسهل أمامهم الدخول إلى هذا العالم وممارسة الرفاهية الزائدة، ثم تتضح الرؤية بأنها غير صحيحة، وأنها وهم إعلامي، وكذب مدسوس على الناس».
وتابع: «نقول للشباب ارتقوا بأفكاركم، ودبروا أموركم، وعيشوا واقعكم الحقيقي، ولا تنساقوا وراء مزاعم تحقيق الرفاهية والأرباح الخيالية التي تخالف الواقع، وتصيب الإنسان بالوهن والإحباط وعدم التوفيق، وعدم القدرة على مجاراة ما يشاهدونه، وننصحهم بأن يتفهموا الواقع، لأن العيش في المستوى المعقول يجعل الإنسان سعيداً، لكن العيش في الرفاهية غير المقدور عليها يجعل الإنسان يعيش بشكل خطأ، وفي النهاية يتسبب لنفسه في التعاسة وعدم الرضا والنفور من الحياة، وتحدث له انتكاسة، لذا الحذر كل الحذر من بائعي الرفاهية الزائدة، والداعين للبذخ باستغلال الشباب وتحويلهم إلى فقراء نتيجة محاولة تقليدهم».
وأشار المحامي والمستشار القانوني، سالم سعيد الحيقي، إلى أن كثيرين ممن يطلقون على أنفسهم مشاهير التواصل الاجتماعي، وصنّاع محتوى، يلجأون إلى ترويج حياة البذخ والرفاهية، نظراً لافتقادهم المحتوى الإعلامي المفيد، فيسعون لجلب الأنظار وتسليط الأضواء بنشرهم ما يدعون على غير الحقيقة، أنها تفاصيل حياتهم، فيترتب على ذلك شعور بعدم الرضا بين الشباب عن مستوى معيشتهم، ورفضهم واقعهم، ومحاولة تقليدهم في هذه الحياة بغض النظر عن الطريقة، وقد يؤدي بعض هؤلاء المؤثرين بتصرفاته أفعالاً تحرض على عدم الانقياد للتشريعات التي صدرت من الجهات المختصة.
وقال الحيقي إن القانون يعاقب على عدم الانقياد للتشريعات، بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين،، كل من دعا أو حرّض عن طريق نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، إلى عدم الانقياد إلى التشريعات المعمول بها في الدولة.
وأكد تغليظ العقوبات في كثير من الجرائم، بسبب سهولة ارتكابها، أو بسبب انتشارها الواسع. كما صدرت قوانين وقرارات من جهات الاختصاص، ووضعت معايير خاصة بالمحتوى.
وأضاف: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، والغرامة التي لا تقل عن 30 ألف درهم، ولا تزيد على 300 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل مسؤول عن إدارة موقع أو حساب إلكتروني نشر على أي منها محتوى أو بيانات أو معلومات لا تتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي الصادر من الجهات المعنية».
وأكد الحيقي أن «كثيراً من هؤلاء الأشخاص، ومن مروجي هذه المقاطع، من غير المواطنين ولا المقيمين، ومن دول تعد أقل في المستوى المعيشي، ويزعمون تحقيق أرباح خيالية منذ حضورهم الدولة، ما يتسبب في إحباط كثير من الشباب المواطنين والمقيمين، ولربما يقومون بهذه الأفعال لجلب الأنظار وزيادة المتابعين. ولكن هذه الأفعال تؤدي لإثارة الفتنة في المجتمع بنشرهم أو الترويج لأفكار تؤدي على إشعال العنصرية والطائفية، وفي ذلك نصت المادة (24) على أن الترويج لإثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية، يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو نشر معلومات أو برامج أو أفكاراً تتضمن إثارة للفتنة أو الكراهية أو العنصرية أو الطائفية، أو الترويج لأي منها باستخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، إذا كان من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي، أو الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة، أو تعريض مصالح الدولة للخطر».
من جانبها، أكدت دائرة تنمية المجتمع أبوظبي، أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي منصات لاكتساب المعرفة والتعلم والتواصل مع الآخرين، وليست للتنافس والاستعراض وادعاء المثالية، مشددة على أن كل ما تراه أعيننا عبر هذه المنصات ليس بالضرورة أن يكون حقيقياً وواقعياً.
وحذرت الدائرة من أن الحياة الباذخة، والمظهر الخارجي المثالي، وأسلوب الحياة الفارهة، أصبح هو المسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت هذه الوسائل منصة للاستعراض والتنافس والمقارنة، مشيرة إلى أن هذا الشيء أثر سلبياً في كثير من المراهقين والشباب الذين أصبحوا يعيشون حالة المقارنة المستمرة، والمحاولة الدائمة للتقليد والوصول للمستوى الذي يشاهدونه على وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أصبحوا يرفضون واقعهم، وفي حال عدم القدرة للوصول للحالة التي يقارنون بها أنفسهم يدخلون في حالة من الاكتئاب، ورفض الذات والواقع.
وأشارت إلى أن دراسة عالمية أظهرت أن «المراهقين الذين يقضون أوقاتاً أطول على الإنترنت، وبسبب عملية المقارنة، يعانون نظرة ذاتية سلبية متعلقة بمظهرهم الخارجي»، مؤكدة أهمية دور الأسرة في متابعة أبنائها، وتعزيز الثقة في نفوسهم، وزرع القيم الإيجابية، كقيمة العمل والرضا والستر، والتأكيد على أن أهم هذه القيم هي أن «السعادة لا تكمن في الاستهلاك، ولكن في الغنى الداخلي والرضا».
الرقابة الأسرية
ذكرت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد واحدة من بين أعلى الدول من ناحية معدلات انتشار واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت إن نحو ثلثي الأسر لا تفرض قيوداً على المحتوى الذي يتعرض له أطفالها، مشيرة إلى أن الأطفال في أبوظبي يقضون وقتاً أطول على الأجهزة الإلكترونية (مثل التلفاز والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر).
وحذّرت من أن تأثير الصورة في الأطفال، يترتب عليه العديد من الآثار النمائية، منها تراجع رغبة الطفل بتناول الطعام، بسبب الحزن أو الخوف، والقلق من الذهاب إلى المدرسة، أو المشاركة في الأنشطة اللاصفية.
وقد يعاني الطفل لاحقاً صعوبات في التعلم، نظراً لارتباط التعلم بصحته النفسية.
تضليل المتلقي
قال المحامي والمستشار القانوني، سالم سعيد الحيقي، إن المئات أو الآلاف من الإعلانات تنشر بشكل يومي عن طريق مشاهير التواصل الاجتماعي، وقد يكون بعضها هادفاً إلى تضليل المتلقي أو المستهلك بقصد أو دون قصد، بسبب الحصول على مقابل مادي أو أي ميزة أخرى، وفي ذلك نص القانون على أن عقوبة الإعلان أو الترويج المضلل للمستهلك الحبس والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وأضاف: «بعض رواد ومشاهير التواصل الاجتماعي قد يرتكبون أفعالاً مجرّمة، وهذا الفعل يعرضهم للمساءلة القانونية، كنشر الشائعات والأخبار الزائفة».
• «المراهقون الذين يقضون أوقاتاً أطول على الإنترنت يعانون نظرة ذاتية سلبية متعلقة بمظهرهم الخارجي.. بسبب المقارنة».