ظلت كوبا، طوال عقود الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، شوكة في خاصرة الولايات المتحدة بسبب تحالفها الوثيق مع الاتحاد السوفيتي السابق، العداء التاريخي المتأصل بين واشنطن وهافانا. والآن، يبدو أن واشنطن على وشك مواجهة تحد جديد في كوبا؛ لكن هذه المرة مع الصين.
وفي تحليل نشره موقع معهد جيتستون الأمريكي، قال جوردون جي. شانج، الباحث الزميل في المعهد وعضو مجلسه الاستشاري، إن تقارير مخابراتية أمريكية “متفرقة” تتحدث عن اعتزام الصين إقامة “منشأة تدريب عسكري مشتركة” مع كوبا على الجزيرة الكوبية.
وأضاف أن الصينيين يتنصتون بالفعل على الاتصالات الأمريكية من خلال قاعدة لورديز بالقرب من العاصمة الكوبية هافانا، وثلاثة مواقع أخرى؛ منها موقعان معروفان منذ مدة، وهما بيخوكال وسانتياغو دي كوبا. ويبدو أن هذه المنشآت تعمل أغلب أو طوال القرن الحالي.
وقال جوزيف هومير، الباحث في “المركز من أجل مجتمع حر آمن” الأمريكي، إن “الجزء الغامض في هذا السياق هو الهدف الاستراتيجي للنفوذ الصيني، وهو في رأيي يتجاوز مجرد إقامة علاقات تجارية قوية مع أمريكا اللاتينية… تركز جمهورية الصين الشعبية على كسب نفوذ جيوسياسي على دول أمريكا الوسطى والجنوبية، لاستخدامه فيما بعد في الصراع مع الولايات المتحدة”.
وبفضل هذا النفوذ، حصلت الصين على ترخيص لإقامة منشآت عسكرية في هذا النصف من الكرة الأرضية بحيث يمكن استخدامها لمهاجمة الولايات المتحدة أو منشآتها العسكرية، إذا ما تدخلت واشنطن للرد على أي تحرك صيني لغزو تايوان أو اليابان أو أي أهداف أخرى. على سبيل المثال، تقيم الصين ما تشبه القاعدة البحرية في منطقة تيرا دي فويجو الاستراتيجية بالأرجنتين.
كما أن ميناء الحاويات، المثير للقلق في منطقة فريبورت بجزر الباهاما المملوك للصين والذي يبعد حوالي 90 ميلا عن ساحل بالم بيتش في ولاية فلوريدا الأمريكية، يمكنه استقبال القطع البحرية العسكرية الصينية.
وقد لا يمر وقت طويل حتى ينشر جيش الشعب الصيني قواعد كبيرة لقواته في كوبا على بعد 94 ميلا فقط من منطقة كي وست بولاية فلوريدا.
وقال ريتشارد فيشر، الباحث في “المركز الدولي للتقييم والاستراتيجية”، في تحليل نشره المركز: “في أي حرب على المدى القريب، ستستخدم الصين كوبا كقاعدة لتسهيل أو شن هجمات سيبرانية ضخمة وعمليات تخريب، مع التعاون مع أجهزة المخابرات الكوبية القوية لتنفيذ مجموعة واسعة من العمليات القذرة؛ بدءا من الاغتيالات وحتى مهاجمة المنشآت الأمريكية، بما فيها المنشآت المدنية مثل محطات الغاز”.
وأورد شانج، مؤلف كتاب “انهيار الصين القادم”، أن جيش الشعب الصيني يمكن أن ينشر صواريخ كروز مضادة للسفن في كوبا، لضرب القواعد البحرية الأمريكية في فلوريدا ووقف حركة السفن الأمريكية. كما يمكن نشر صواريخ أرض جو في كوبا، لاستخدامها في استهداف الطائرات فوق جنوب شرق الولايات المتحدة.
فهل تواجه أمريكا أزمة صواريخ كوبية جديدة، لكن هذه المرة مع الصينيين بدلا من السوفييت؟ وقد جاءت بالونات التجسس الصينية التي حلقت في سماء الولايات المتحدة قبل شهور لكي تكشف مدى فجاجة قادة الصين، فهل يمكنهم نشر صواريخ باليستية وأسلحة أخرى في كوبا؟
اعتقد فيشر أنهم سيفعلون ذلك “على المدى المتوسط، حيث ستسهل الصين حصول كوبا على صواريخ باليستية، والتي تفرض كحد أدنى ردا دفاعيا أمريكيا، يقيد الجيش الأمريكي، ويقلل فرص نجاح الولايات المتحدة على مسارح المواجهة الأخرى”.
وسجل شانج أنه يمكن تحميل الصواريخ الباليستية في كوبا برؤوس نووية. وفي حين يعتقد الأمريكيون أن السلاح النووي هو سلاح ردع دفاعي، يعتبر المخططون العسكريون الأمريكيون أن هذه الأسلحة هجومية تستخدم لإخضاع الخصوم. بمعنى آخر، تعتقد الصين أن الأسلحة النووية تستطيع منع الآخرين من مساعدة تايوان، عبر تهديدهم باستخدام الأسلحة النووية ضد أراضيهم.
ويتحرك الجيش الصيني بحسم، حيث يقوم حاليا ببناء 250 وربما يصل العدد إلى 360 صومعة مصممة لنشر صواريخ دي.إف-41 بعيدة المدى في ثلاث مناطق منفصلة شمال الصين. ويصل مدى هذا الصاروخ إلى 9300 ميلا بما يضع الولايات المتحدة في مدى هذه الصاروخ القادر على حمل 10 رؤوس حربية.
وفي شهادة رسمية في مارس الماضي، قال فرانك كيندال، وزير القوات الجوية الأمريكية، مشيرا إلى الصين: “على مدى عقود، كانوا يشعرون بالراحة لامتلاكهم ترسانة تضم مئات قليلة من الأسلحة النووية، تكفي لشن الضربة الثانية باعتبارها سلاح ردع… لا أعتقد أنني رأيت في حياتي المهنية أمرا مثيرا للقلق أكثر من الزيادة المستمرة في القوة النووية للصين”.
ومع استمرار زيادة ترسانتها النووية، يتضح أن الصين لم تعد تبحث عن “الحد الأدنى للردع”، وإنما تشير إلى أن الجيش الصيني يبني قدرات هجومية تستخدم في خوض القتال.
وإذا كانت الصين تنشر صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، فلماذا تحتاج إلى نشر صواريخ في كوبا؟ الإجابة بسيطة حسب شانج، وهي أن قصر المسافة التي يقطعها الصاروخ للوصول من كوبا إلى الأراضي الأمريكية، يعني تقليص زمن الإنذار للسلطات الأمريكية للتصدي للهجوم.
علاوة على ذلك، فإن أنظمة الصواريخ الأمريكية المضادة للصواريخ مصممة حاليا للتصدي للهجمات القادمة من الشمال، ووجود الصواريخ الصينية في كوبا يتيح مهاجمة أمريكا من الجنوب.
أخيرا، فإن الوجود العسكري الصيني في كوبا يعني أن أي حرب تنشب في آسيا سيتم خوضها على الأراضي الأمريكية أو بالقرب منها أو أعلاها، وربما بالأسلحة النووية.
المصدر: وكالات