علاقات و مجتمع
عشقت القراءة من صغرها وأحبت علوم الثقافة بأنواعها، سارت على طريق مغاير لقريناتها من أبناء قريتها جروان بمحافظة المنوفية، حاولت آيات عبدالدايم، تشبع رغباتها بكل الطرق، لكن لا شيء نجح في سد رمقها وظل حلم الطفولة يلاحقها كلما كبرت، لم تتغافل عنه لحظة حتى جعلته حقيقة وبالجهود الذاتية أسست الفتاة الثلاثينية مركز جروان للثقافة والفنون خدمت به أبناء قريتها والقرى المحيطة.
تعلق «آيات» بالثقافة جاء منذ أن فتحت أعينها على الدنيا، فهي الطفلة الشغوفة بالبحث عن القصص والروايات بين أرجاء منزلها، بالقرية البسيطة في المنوفية، ونقلت شغفها إلى المكتبة المدرسية لكنها لم تكن المساحة المشبعة لهوايتها: «يمكن كانت تطلعاتي أكبر من سني.. كنت شغوفة جدًا بالأحداث العامة والقراءة»، بحسب حديثها لـ«هن».
حب «آيات» للقراءة دفعها لحلم بناء المكتبة العامة
من الروايات والشعر للتاريخ كلها مجالات أحبت «آيات» قرأتها، فأصبحت المكتبة المدرسية المكان الذي قضت بداحله الجزء الأكبر من يومها، متحدية نظرات أساءت الظن بها: «كانوا شايفين أني واخدة المدرسة لتضييع الوقت»، لكن حصولها على مجموع كبير في الثانوية العامة أهدم كل التصورات الخاطئة، واختارت «آيات» الالتحاق بكلية الآداب: «كنت شايفة نفسي فيها.. وأنها هتلبي رغباتي»، بحسب الفتاة الثلاثينية.
تخرجت «آيات» في الكلية، وظل حلم بناء مكتبة عامة داخل القرية الصغيرة، يراودها، اتجهت في البداية إلى إحدى الجمعيات المهتمة بتنمية المجتمع المحلي في القرية، وبحماس عرضت خطتها في بناء المكتبة، داخل غرفة مغلقة بالجمعية منذ 10 سنوات لم يحسن أحد استغلالها، لتجد الفتاة الثلاثينية موافقة بالأمر.
جهود ذاتية وتطوعية لتحويل الحلم لحقيقة
وشيئًا فشيء ذاع أمر بناء المكتبة بين أرجاء القرية، لتمتد إليها أيادي الخير من مساهمات أهلية، ما بين إهداء الكراسي أو المساعدة في طلاء الجدران، فكلها جهود تطوعية تعاونوا جميعًا لأجل افتتاح المكتبة التي كانت نواتها الأساسية إمدادت من الكتب الخاصة بوزارة الثقافة «الكل كان بيشارك بفرحة وحب».
وفي 23 يونيو من العام الماضي 2022، تحول الحلم لحقيقة ملموسة بدايته المكتبة ليضاف إليها عدد كبير من الأنشطة الفنية ويصبح اسمه «مركز جروان للثقافة والفنون» يضم بين أرجائه عروض مسرحية وتعليم الخط العربي وأنشطة موسيقية وتعليم حرف يدوية بسيطة وغيره من مجالات واسعة، أما القائمين عليها فهم أبناء القرية المتطوعين بأوقاتهم وما يمتلكونه من مواهب فنية: «عندنا الراجل اللي طلع على المعاش وبيجي يعلم الأطفال الرسم.. وما بين طالب الكلية اللي بيعمل عروض مسرحية».
قراءة وعروض مسرحية وفنية.. خدمات المركز لأطفال «جروان»
ومن التاسعة صباحًا حتى الثالثة ظهرًا يستقبل المركز يوميًا أطفال القرية والقرى المحيطة، لينعموا بالمزيد من الخدمات الثقافية مجانيًا وتتفتح أمامهم آفاق المعرفة: «فاكرة أول يوم فتحنا فيه الاستعارة المكتبة وصل العدد إلى 80 طفلا.. الأطفال حابين المكان عندهم تغيير ولهفة على دخول المركز».
شعور بالفرحة والسعادة تعيشه «آيات» يوميًا ورؤيتها بتحقيق حلمها في الريف المصري: «أنا مبسوطة إني شايفة حلمي بيتحقق.. أنا رميت بذرة وهتعيش من بعدي سنين طويلة»، وازدادت الفرحة في يوم الاحتفاء بمرور عام على افتتاح المركز، الاحتفالية التي شارك فيها 1000 شخص من أبناء قرية جروان والقرى المجاورة: «مكنتش متوقعة الاحتفالية بالحجم دا.. الكل كان فرحان وبيشارك أنه بقالنا سنة.. الحكاية لسة فيها أمل».