علاقات و مجتمع
تقاسما الحياة سويًا ولكل منهما دوره الخاص، عادة ما تكون مسئولية الأبناء من نصيب الأم، فهي صاحبة النصيب الأكبر من الرعاية الأسرية، لكن لظروف قدرية سواء برحيل الأم عن الحياة أو انفصال الحياة الزوجية، يجد الأب نفسه في مهب الريح، وحده هو من يتحمل المسئولية بأكملها، يمارس الدورين معًا فهو الأب والأم في آن واحد، منذ لحظة استيقاظه من النوم حتى العودة مرة أخرى، وهو في رحلة يومية لا يخطو خطوة إلا وعينيه على الأبناء يدبر أمورهم ويرعى شئون حياتهم، ويعطيهم من الحنان ما يسد رمقهم من حرمان الأم، ويذهب بتفكيره إلى التخطيط في مفاجآت يسعد بها قلوب صغاره، ربما تكون ذلك هي شكل ملامح الحياة والمسئولية الملقاة على عاتق الأب، واقترن اسمه بـ«سينجل فازر».
قبل 3 أعوام، رحلت زوجة المهندس الأربعيني محمد معارك، عن الحياة، ليجد نفسه متحملًا مسئولية صغاره التوأم، اللذان لم يتجاوزا وقتها الـ9 أعوام، فهو بمثابة الأب والأم، حاول ملء الفراغ الذي تركته، تحمل مسؤوليتهما والاعتناء بأعمال المنزل: «بقيت مسؤول عن كل حاجة وشغل البيت والأولاد.. إحنا كرجالة كنا بنستهين بشغل البيت، لكن الستات بتتحمل ما لا طاقة لنا به».
يروي «محمد» تفاصيل الحياة اليومية التي يقضيها برفقة أطفاله منذ استيقاظه من النوم، فهو المسئول عن إيقاظهم وترتيب أمورهم وإعداد الوجبات الخاصة بالفطار، والذهاب بهم إلى المدرسة، ومن ثم يذهب إلى عمله، ومع موعد انصراف الأطفال من المدرسة، يكون واقفًا أمام الأبواب المغلقة منتظر خروجهم بابتسامة تزيح من آلام فقدان الأم.
«محمد»: رحيل زوجتي جعلني ألعب دور الأب والأم مع أطفالي
لم ينتهي تفاصيل الحياة اليومية عند هذه الصورة، يستكمل الأب الأربعيني حديثه لـ«الوطن»، بأنه وجد نفسه واقفًا في المطبخ لإعداد وجبة الغداء والذهاب بأطفاله إلى النادي لحضور تمرين رياضة الكرة الطائرة، والعودة بهم إلى المنزل لمراجعة دروسهم، ومن ثم يتكرر اليوم بهذه الصورة في فترات الدراسة، شكلًا للحياة لم يتخيل معايشته يومًا ما.
وفي فترة الإجازة، يكون الأب الأربعيني على موعد مع التخطيط لرحلات لقضاء الأطفال إجازة سعيدة، بقدر مستطاع يحاول «محمد» تعويض الفراغ الذي تركته زوجته مع أبنائهما الصغار، لكن أحيانًا يجد نفسه عاجزًا أمام أسئلتهم: «وقت انتشار كورونا.. كان مالك ابني بيقولي هو ربنا غضبان على العالم عشان ماما ماتت».
ردود طيبة يحاول الأب يرد بها على أسئلة أطفاله، اللذان أصبحا عمرهما 11 عامًا: «كتير بيقولولي ماما وحشتني.. لكن بحاول أصبرهم وأقولهم هي شايفنا ومسبتناش»، تفاصيل كثيرة يجريها «محمد» تعويضًا لفقدان الأم، فهو يذهب برفقة أطفاله لشراء الملابس الجديدة، والهدايا الخاصة بالمناسبات الاجتماعية التي يتشاركونها سويًا.
شعور كبير بالمسئولية وقع على عاتق «محمد» عند رحيل زوجته، متحدثًا عن عدم استطاعته للنوم بشكل كامل خوفًا على أبنائه: «لما كنت بنام مع أولادي في نفس الغرفة كنت بحس إني نايم نص نومة.. قلقان طول الوقت عشان لو حد صحي أو حد مش متغطي زي ما مامتهم كانت بتعمل»، ليصف النساء بأن لديهن من المزايا تفوق الرجال.
محاولات «محمد» في تعويض حرمان الأم لم تنته عند هذه الصورة، لكن يصبح عيد الأم هو أثقل الأيام على قلبه: «بحاول مجبش سيرة أي حاجة تفكرهم في اليوم ده.. لا أغاني ولا أفلام»، لكنه الشعور الذي قل مع كبر الأطفال اللذان أصبحا يعطيان الهدايا إلى العمة: «ممكن دلوقتي يجيبوا هدية لعمتهم».
«إسلام»: أهلت ابني دراسيًا بعد الانفصال عن والدته
ومن المهندس محمد معارك، إلى قصة أخرى للدكتور إسلام السمان، الأستاذ الجامعي، فهو أيضًا من دفتر حكايات «سنجل فازر»، إذ تحمل مسئولية ابنه ذو الـ8 سنوات والنصف، عقب انفصاله عن زوجته، ولمدة قاربت العامين التزم الأب بزيارة ابنه في مواعيد الرؤية المحددة له بحكم القانون، إلى أن فوجئ برغبة الأم في التنازل عن ابنها للعيش مع والده.
انتقال الطفل للعيش مع والده في أسيوط، أعطاه مساحة أكبر للكشف عن مشاكل عانى منها الطفل لم يتعرف عليها من قبل: «اكتشفت أن ابني مبيعرفش يقرأ ولا يكتب رغم أنه كان في مدرسة تجريبي» ليقوم الأب بعمل كورس مكثف لإنقاذ ابنه وتعليمه بشكل صحيح بمساعدة والده وشقيقته: «كنت بديله 5 حصص في اليوم» ألقى الأب كل اهتمامه مع الطفل حتى أصبح يجيد القراءة والكتابة، فضلًا عن مشاكل أخرى عانى منها الابن مثل حديثه بطريقة الدوبلاج «ابني مكنش يعرف أي حاجة غير الموبايل.. لكن صححتله طريقة الكلام».
مسئولية كبيرة تلقها الأب على عاتقه مع رحلة تربيته لابنه، قام خلالها بدور الأبوين معًا، من الاهتمام بدراسته وصحته الجسدية وفضلًا عن ذلك لم يحرمه من التواصل مع والدته مكافأة له على التزامه الدراسي: «كنت بشجعه دايمًا لما يذاكر ويعمل واجباته يكلم مامته ويزورها».