على رصيف بحي مصر الجديدة في القاهرة، يجلس «عم السعيد»، بوجه مبتسم وملامح هادئة ولحية خطها الشيب، مرتديًا قميصًا وبنطالًا يعكس بساطته، أمامه صندوق خشبي تعلوه زجاجات بلاستيكية وفرشة وبعض الأقمشة، أدوات مسح الأحذية، وهي المهنة التي لجأ لها بعد المعاش، ليبدأ رحلة حياة جديدة بعد الستين من أجل استكمال تعليم أبنائه ومحاربة المرض والعجز الذي يهاجم مَن يستسلم للراحة بعد المعاش.
علاقات طيبة مع سكان الشارع
ابتسامة هادئة وترحيب أبوي جميل، يستقبل به السعيد إبراهيم، 72 عامًا، كل من يُلقي عليه سلامًا أو يبدأ معه حديثًا في الشارع، ما كان سببًا في خلق علاقات حب وصداقة بينه وسكان الشارع.
بدأ العمل بمهنته الجديدة قبل 15 عامًا، بحسب حديثه لـ«الوطن»، موضحا أنه كان موظفًا في إحدى الشركات، وأُحيل للمعاش المبكر وهو في سن 52 عامًا، بناءً على رغبته.
بعد إحالة «السعيد» إلى المعاش، سافر للعمل في عدة دول عربية، وبعد عودته إلى مصر عَمَل في مِهن مختلفة، إلا أنه استقر في النهاية على مسح الأحذية بعدما تعلم أسرارها من شقيقه الأصغر عام 2008: «أنا باخد معاش 5200 جنيه، وحالتي مرتاحة الحمد لله بس أنا مبحبش القعدة خالص.. لو قعدت في البيت الدنيا تبوظ معايا وأتعب، لأن سني ملهوش القعدة»، ومن خلال عمله في مسح الأحذية تمكن من تعليم أبنائه الثلاثة: «عندي بنتين وولد، البنتين متجوزين وواحدة منهم دكتورة بشرية والتانية صيدلانية، وابني التالت بيدرس في كلية تجارة وهيبقى محاسب».
«السعيد»: ربنا أعطاني بسخاء
احترام شديد يجده الرجل السبعيني في نظرة أبنائه الثلاثة وزوجته، بل وجميع أقاربه وجيرانه، فالكل يعلم حبه للعمل وحرصه على الجهد والمثابرة من أجل تربية أبنائه والحفاظ على راحتهم: «ابني قالي أول ما اتخرج مش هخليك تشتغل تاني»، وبرغم عدم تمكنه من ادخار أي أموال أو شراء ممتلكات، إلا أنه يشعر بالرضا بعد نجاحه في تعليم أبنائه وزوّاج ابنتيه: «مش نفسي في أي حاجة في الدنيا.. ربنا مديني كل حاجة».
ورغم تقدم سن «السعيد»، إلا أنه يواظب على العمل يوميًا، يخرج من منزله في الثامنة صباحًا بحي عين شمس متوجها إلى مصر الجديدة، ويظل جالسًا على الرصيف أمام صندوقه الخشبي حتى آذان العشاء: «بصلي العشاء وأروَّح، وساعات برضه برجع البيت الضهر للغداء ثم أعود للعمل»، لافتا إلى أنه يعيش مع زوجته (ربة منزل) وابنه «محمد» الذي يدرس في كلية التجارة.