علاقات و مجتمع
لم تقف الإعاقة البصرية أمام تحقيق حلمها وإسناد إليها المهام والأعمال التي تُظهر كفاءة صاحبها، حازت على إشادة واسعة على مستوى العالم، فكانت مثالًا للمرأة الدؤوبة القادرة على تخطي الصعاب والمستحيل الذي يعيق ذوي الهمم والقدرات الخاصة، وجهها المشرق البشوش سر تألقها رغم كونها لا ترى المحيطين بها، فقط الإنجازات التي حققتها كانت كفيلة لتسطر اسمها في أنحاء أمريكا، ما جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن، يُعين سارة منقارة ذات الأصول اللبنانية مستشارة خاصة للولايات المتحدة الأمريكية لحقوق ذوي القدرات الخاصة.
كفاءة الشابة المسلمة سارة منقارة، ابنة مدينة طرابلس، أهَّلتها لتقلد منصب المستشارة الأمريكية الخاصة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ما دعا للفخر بفتيات العرب القادرات على تحدي الظروف القاسية وأن تصبح لسان لحال غيرها من ذوي الهمم والقدرات الخاصة.
«الوطن»أجرت حوارًا مع سارة منقارة، مستشارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تحدثت عن تأهلها وإسناد إليها ذلك المنصب وتحدي الظروف الصعبة والقاسية التي عاشت بها منذ طفولتها، وحكاية المرض الجيني الذي جعلها تفقد حاسة البصر وتصبح من ذوي الهمم والقدرات الخاصة، وإلى نص الحوار:
– منذ الطفولة وتعانين من ظروف صعبة استثنائية ما هي وكيف تخطيتها؟
عانيت من الضمور البقعي، وهو واحد من الاضطرابات الجينية التي تسبب فقدانا للرؤية، حتى أصبحت من فاقدي نعمة البصر بعمر 7 أعوام، والذي ورثته أنا وشقيقتي بشكل تدريجي لأن والدي ووالدتي أقرباء، وُلدت في الولايات المتحدة الأمريكية وعشت بها طيلة حياتي، لكن أسرتي تعيش في طرابلس بلبنان، ذهبت إلى المدارس العادية ودرست في مجال الرياضيات والاقتصاد من كلية ويليسلي بأمريكا، ثم استكملت دراسة الماجيستير بجامعة هارفارد في السياسة العامة.
لم يمنعني أي شيء من السعي ومواصلة الطموحات بفضل دعم أسرتي والذين جعلوني أثق وأؤمن بمواهبي وقدراتي رغم فقدان البصر، كما أنني أستخدم العصا الذكية المخصصة للمكفوفين حتى أستطع التعامل بذاتي والتي ربما تُشكل عائقا في بعض الأحيان كونها تضع وصمة على البعض من مستخدميها.
أسرتها ومعلموها الجندي المجهول في حياتها
– من هو الجندي المجهول في حياة سارة منقارة وممن تلقيتِ الدعم؟
أسرتي كانت سر الدعم من بداية طفولتي، كما ساعدتني المعلمات خلال المدرسة والأصدقاء، وحينما قررت دخول مجال الرياضيات والاقتصاد كان هناك نظرة تشاؤمية من البعض كيف لكفيفة دراسة ذلك المجال، لكن كان الدعم الكبير من أساتذتي من خلال الطرق التعليمية والأساليب الحديثة للإنتاج، وخلال فترة الجامعة كان زملائي وزميلاتي يفضلون مشاركتي في المحاضرات والسكاشن العلمية بسبب قيام الأساتذة بتفسير المعلومات بشكل مبسط.
– تم اختيارك من فوربس ضمن أبرز 30 شخصية في مجال العمل الاجتماعي حول العالم، ماذا عن ذلك الاختيار؟
بعد ترددي الدائم على مدينة طرابلس بشكل قررت مساعدة الأطفال من ذوي الهمم والقدرات الخاصة، قررت العمل على إنشاء مبادرات خاصة بالتمكين والدمج الحقيقي للأطفال، خاصة للذين لا يعانون من أي إعاقة لتحقيق المعادلات الصعبة بشكل عملي، من خلال إرسالهم بالبرامج الصيفية والتطوع في المجتمع حتى يكونوا مؤمنين بذاتهم وبقدرتهم على التغيير في المجتمع ومساعدة الغير بخلاف إدماج الأهالي من خلال مساعدتهم على كيفية تقديم المساعدة للأطفال.
– ما هي الخدمات التي قدمتيها لمساعدة الأطفال؟
أنشأت مبادرة لذوي القدرات الخاصة، مع منظمة ETI، للمكفوفين وغيرهم، بدعم من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قررت أن تكون موجهة بشكل خاص للأطفال في مدينة طرابلس اللبنانية والتي تم تسجيلها في أمريكا من خلال إنشاء مخيمات لهم.
– ما هي الهوايات التي تفضلين القيام بها في العطلات الخاصة بكِ؟
أستمتع جدًا بقضاء معظم الوقت وأوقات الفراغ مع أسرتي بالسفر، فأنا أحب استكشاف العالم المحيط بي، بخلاف عشقي الدائم للقراءة وللكتب التي أصطحبها معي في جولاتي ورحلاتي للاستفادة منها، بجانب السباحة وممارسة أنواع مختلفة من الرياضة، كما أنني أجيد التحدث بأكثر من لغة وأستطيع التواصل مع آلاف الأشخاص في مختلف القارات.
– هل عانيت من نظرات التنمر من قبل البعض بشكل الإعاقة البصرية؟
كنت أرى نظرات المجتمع للأشخاص الذين يعانون من الإعاقة بالشفقة والكلمات المتهكمة على الحالة التي أعاني منها منذ طفولتي، فكان من بين العبارات الصعبة التي طرقت على سمعي (يا حرام شو راح يطلع من واحدة كفيفة لا ترى العالم المحيط بها)، كانت تلك النظرة تحطم قلوب الأطفال والتي كنت واحدة منهم الذين لا يستطيعون الاندماج وسط المجتمع، لكني قررت تحدي تلك النظرة وكسر القوالب المتعارف عليها بأن ذوي الهمم لا يستطيعون النجاح والتفوق.
أستطيع مخاطبة الجماهير الغفيرة خلال التجمعات في السفارت والمنصات مثل الأمم المتحدة في كل من نيويورك وفيينا، كما سبق لي بالظهور ضمن دائرة المتحدثين بوزارة الخارجية الأمريكية، وفي برنامج التعليم التنفيذي بجامعة هارفارد.
– كيف جاء قرار تعيينك مستشارة خاصة للرئيس الأمريكي جو بايدن؟
خبراتي في مجال القيادة والسياسة كانت واحدة من أهم الأمور التي أهلتني لشغل هذا المنصب الذي أعتز به كثيرًا، خاصةً كوني فتاة أنتمي لأصول عربية ومسلمة، إذ عملت في مناصب قيادية واستشارية مثل تقلد مناصب مجلس إدارة جمعية «ماساتشوستس» للمكفوفين وضعاف البصر، جمعية ETI وهي التمكين من خلال التكامل، والمجلس الاستشاري العالمي للحرية والعدالة، كان الأمر مفاجأة بالنسبة لي وشعرت بالفخر حينها بسبب ثقة الرئيس الأمريكي في إسناد مثل هذا المنصب لواحدة من ذوي الهمم.
فخر وسعادة وثقة من قبل الرئيس الأمريكي
لا استطيع وصف المشاعر التي شعرت بها حينما تم تقليدي بذلك المنصب، كامرأة ومسلمة ومن متحدي الإعاقة، شعرت بالفخر والقدرة على التغيير ليس بشكل فوري لكن القيادة هي واحدة من أهم خطوات الاتجاة الصحيح في المجتمعات، والرئيس الأمريكي شخص قائد يُرحب بالتنوع ويري الإنسانية من منظور آخر، كما أعتبر ثاني شخص يتقلد ذلك المنصب ممثلًا عن ذوي القدرات الخاصة بعد جوديث هيومان، التي عينها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في عام 2010.