الأسبوع الماضي؛ ظهر طلاس، في حديث صحفي، يعيد مرة أخرى طرح المجلس العسكري لقيادة مرحلة انتقالية في سورية، ويتحدث عن دعمه لمنصات سياسية جديدة مثل منصة «مدنية» التي أسسها رجل الأعمال السوري أيمن أصفري. وطرح هذا الظهور المفاجئ لطلاس أسئلة كثيرة عن توقيته الذي يمكن اعتباره ظهوراً في الوقت الضائع!
بضاعة منتهية الصلاحية
وفي قراءة سريعة للتوقيت الزمني لحديث مناف، فإن ظهوره جاء بينما كان أكثر من 150 منظمة مدنية تجتمع برعاية فرنسية لتشكيل جسم سياسي من رحم المنظمات المدنية، في شكل من أشكال تسجيل الحضور السياسي في حال تحرك مسارات التسوية والحل، إذ بدا واضحاً رغبة رجل الأعمال أيمن أصفري في القيام بدور سياسي في المستقبل القريب.
سبق مؤتمر «مدنية» لمنظمات المجتمع المدني، اجتماع موسع لهيئة التفاوض السورية في جنيف، حيث التقت الهيئة بكل منصاتها السياسية والعسكرية متجاوزة الخلافات السياسية، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عام 2019 بحضور دولي واسع، وخرجت الهيئة ببيان أبدت فيه الاستعداد لإطلاق مفاوضات سياسية مع الحكومة السورية على قاعدة القرار 2254، وتحت مظلة الأمم المتحدة في محاولة لالتقاط اللحظة العربية مع دمشق.
بين اجتماعي جنيف للهيئة وباريس لمنصة «مدنية»، رأى مناف أن ثمة مسارات سياسية تتحرك من أجل الحل في سورية، ولعل الظهور في هذا الوقت يعطي إشارة إلى أي دور في المرحلة القادمة من سورية، إلا أن السؤال: من هو ذلك المجلس العسكري الذي يتحدث عنه مناف في كل مرة، ما لونه وشكله وطبيعته وحجمه في سورية وحتى خارجها، إنه مجرد عنوان لا وجود له على أرض الواقع؟!
لا أحد يعرف عن هذا المجلس سوى العناوين في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ومجموعات «الواتساب»، لا هيكلية ولا إدارة، ولا مشروع ولا واقعية، بل إن البعض يصفه بمجلس ضباط «الرستن» نسبة إلى المدينة التي ينتمي إليها مناف طلاس في حمص، وسيطرة عشرات الضباط من الرستن على هذا المجلس، زد على ذلك أن بضاعة المجلس العسكري منتهية الصلاحية وأن أسوأ ما يمكن أن يمارسه الرجل على الشعب هو بيع الأوهام على السوريين.
انفصال عن الواقع
تعكس فكرة المجلس العسكري تفكيراً ماضوياً للحالة السورية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار ما جرى خلال العام الماضي من تحولات إقليمية وعربية حول سورية، إذ باتت فكرة المجلس العسكري منفصلة عن الواقع، وتنم عن توقف ساعة الزمن لدى هؤلاء منذ عام 2016 حين طرحت فكرة المجلس العسكري، أما الآن وقد انتهت الحرب بشكلها العسكري في سورية، وبدأت دمشق تعود إلى المحيط العربي والإقليمي، فلا مكان لفكرة المجلس العسكري، فالأمر أصبح خارج السياق.
ليس لمناف طلاس إرث في سورية سوى أنه ابن مصطفى طلاس؛ أحد أبرز دعائم الحكم الذي يريد مناف تغييره اليوم؛ فلا قبل الحرب ولا بعدها كان لمناف وجود على الخارطة السورية، بل اختفى العميد طوال عقد من الزمان عدا ظهور وحيد على قناة تلفزيونية في يوليو 2012، ليختار بعد ذلك أبعد عواصم العالم عن سورية، وهي باريس، مكاناً له.
سنوات باريس لا يمكن لها أن تفضي إلى مرحلة انتقالية مجانية بعد أن دخلت الأزمة السورية إلى مسار التسويات الإقليمية، لم يسجل السوريون موقفاً لمناف أو المجلس العسكري المذكور سوى انتظار اللحظة المناسبة لرمي شبكة الصيد في البحيرة السورية الساكنة، إلا أنه لا أسماك في هذه البحيرة بعد ١٢ سنة من الحرب التي مزقت سلطة دمشق وأيضاً سلطة المعارضة؛ على حدٍّ سواء.
وإذا كانت سورية، فعلاً، تحتاج إلى مرحلة انتقالية فهي تحتاج إلى نسق جديد من التفكير والشخصيات والعقليات، قبل أي مرحلة انتقالية، وبطبيعة الحال تحتاج، أيضاً، إلى توافقات إقليمية ودولية لإزالة الأزمة من قائمة الأزمات الدولية على قواعد أممية وسورية يتوافق عليها السوريون أولاً بتنازلات من كلا الطرفين، صحيح أن بعض التنازلات ستكون مؤلمة، لكنها أقل ألماً من ضياع سورية إلى الأبد.
محاولات للقفز في الهواء
نعم؛ الكل يريد الحل في سورية بأقل الأثمان، لكن من المهم تثبيت حقيقة لا مفر منها، أنه في سورية لا شيء سورياً على الإطلاق باستثناء المشكلة، ما عدا ذلك فكل شيء له بعد دولي أو إقليمي، وأما حديث العميد مناف طلاس بالقول لا وصاية على السوريين ونضوج الظرف الدولي فهو محاولة لبيع الأوهام من أجل نتيجة مبرمجة لتركيب قيادات وصف المقاييس الدولية أو التلويح بأوراق من أجل تحريك الداخل السوري، وهذا أيضا شكل من أشكال التفكير القديم حول حل الأزمة السورية.
الشيء الوحيد الذي يمكن البناء عليه ومعترف به في الكواليس الدولية على الرغم من عدم القدرة على تحقيقه، هو القرار 2254 المعترف به من مجلس الأمن بوجود طرفين، هما الحكومة السورية وهيئة التفاوض العليا التي تأسست في نهاية عام 2016 في الرياض، ويدعم ذلك البيان «السعودي -السوري» وبيان عمان الذي يدعو صراحة إلى حل سياسي وعودة آمنة للاجئين، ما دون ذلك مجرد محاولات قفز في الهواء نتيجتها صفر مكعب.