علاقات و مجتمع
عاشت سنوات قاسية وكأنها في كبد هذه الدنيا وحدها، لم تجد سوى الدراسة والتفوق ردًا على ما فعله والدها معها، فكان «عناده» مع الزوجة، عدم سؤاله على ابنائه أو تحمل مسؤوليتهم لم يزيدها سوى عزيمة وإرادة لتتفوق على الظروف الهرية التي عاشتها بسبب والدها، ردًا عليه، وربما محاولة منها لرد جميل الأم التي كانت لها أم وأب، فكانت الدراسة وسيلتها الوحيدة والتفوق نتيجة منطقية ومُرضية في النهاية، ليست فقط نتيجة لمجهودها ولكن لما تعرضته من ظلم على يد والدها، بحسب ما ذكر الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي لـ «هُن»، معلقًا على صورة الطالبة منة عماد، الأولى على الإعدادية بكفر الشيخ وهي تتحصل دروسها على البلاط ودلو من البلاستيك؟
على جردل بلاستيك تضع كتبها الدراسية، ينحني ظهرها وهي تحاول تحصيل دراستها، لا يهمها سوى إنجاز مهامها، حتى تأتي ساعات الليل المتأخرة، تفترش البلاط وتنام على مرتبة، 3 سنوات قاسية في حياة، الطالبة منة عماد إبراهيم، الأولى في الشهادة الإعدادية على مستوى محافظة كفر الشيخ، عاشتها قبل أن تحصد ثمار تعبها بمجموع 287.5 درجة.
بصوت كله كفاح، عادت إيمان عادل، والدة الطالبة بالذاكرة لثلاث سنوات مضت، تتذكر كيف تبدلت حياة أسرتها من حال إلى حال، إذ كانت تعيش مع زوجها في السعودية، قبل أنّ تحدث مشكلات بينهما وتعود إلى مصر: «حياتنا كانت كويسة لحد 2020، حصل بيني وزوجي خلاف، ورجعت أنا وأولادي على مصر، تحديدًا كفر الشيخ، لكن الغريبة إني ملقتش العفش، وعرفت أنّ والدة زوجي أخدته ولقيت شقتي على البلاط».
كعب دائر من الأم، بين منزل والدتها ووالدة زوجها في محاولة لاسترداد حقها، قبل أنّ تعلم بطلاقها غيابيًا، بحسب تصريحاتها لـ«هُن»: «جوزي طلقني غيابي، فضلت طول الوقت ده بين المحاكم، بحاول أتمكن من الشقة، وحصل فعلًا لكن كانت حماتي أخدت كل العفش، وكمان زوجي مش بيبعت فلوس، وبقينا مش معانا حاجة وأنا مش بشتغل، وعندي البنت وولدين صغيرين إبراهيم ويوسف».
والدة الطالبة: عملت مشروع أكل بيتي
على الرغم من تمكينها من المنزل، إلا أنّ الأمر كان أشبه بالموت البطيء، إذ لا تمتلك الزوجة أي مصدر دخل: «أهلي اللي شالوني، جابوا ليا مرتبة وساعدوني، وخدوا ابني الصغير كان لسه طفل ومحتاج غذاء وأنا مش معايا فلوس، وملقتش قدامي غير إني أعمل مشروع أكل بيتي وأغلفه وأبيعه».
والدة منة: بنتي ذاكرت على جردل بلاستيك
على جردل بلاستيك، كانت وجهة «منة» بعد العودة من المدرسة طيلة هذه السنوات، وتحديدًا هذا العام، الذي انتهى بتفوق كبير من داخل مدرستها الحامول الرسمية للغات: «منة كانت بتعيط وهي شايفة ولاد عمها كويسين وهي لأ، ونايمة على مرتبة على الأرض، لكن قلت لها متستسلميش إحنا قدها، بقت تذاكر على جردل، لحد ما ربنا كرمها، عمرها ما قصرت في المذاكرة ولا الصلاة»، وتؤكد والدة الأولى على الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ، أنّ ابنتها تسعى وتجتهد للالتحاق بكلية الطب، للعمل كطبيبة جلدية.
الجدير بالذكر أنّ التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، قرر توفير مشروع اقتصادي وفرش منزل الطالبة لمساعدتها قبل الانتقال لمرحلة تعليمية جديدة في حياتها.