أعلن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في بلاغ صحافي أن مكتبه تدارس مشروع مرسوم يهم الهندسة اللغوية، موردا أنه من المفترض طبقا للقانون أن يتم إصدار هذا الرأي في غضون شهر إلى شهرين، على أساس أن تعمل الحكومة على إدراج المرسوم للمصادقة بمجلس الحكومة، ودخوله حيز التنفيذ.
مستقبل الهندسة اللغوية يثير قلق العديد من الأوساط والمهتمين بالشأن التربوي بالمغرب، في ظل حديث مسؤولين عن توجه المغرب نحو اعتماد أوسع للغة الإنجليزية وتراجع اللغة الفرنسية، وتساؤلات حول تعويض استحواذ لغة أجنبية بأخرى أجنبية على حساب اللغة العربية.
نظرة قانونية
خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أكد في تصريح لهسبريس أن “هناك فرقا بين ما ينص عليه القانون الإطار 51.17، الذي يتضمن التوجهات الكبرى للهندسة اللغوية في المنظومة التربوية المغربية، سواء تعلق الأمر بتدريس اللغات أو لغات التدريس، في كل أطوار المنظومة، وما تضمه الرؤية الإستراتيجية 2015 2030، والواقع”، وأشار في هذا السياق إلى أنه “على أرض الواقع توجد هندسة لغوية قديمة قبل صدور القانون الإطار سنة 2019، وهناك تأخر كبير في أجرأة مقتضيات القانون بصفة عامة، وفي المسألة اللغوية بصفة خاصة”.
وأوضح الصمدي أنه “في الشق المتعلق بتدريس اللغات هناك هندسة لغوية قديمة تعطي أهمية كبيرة للفرنسية كلغة تدريس، خاصة في المواد العلمية والتقنية، وهو خيار يعود إلى 2012 2013 حينما تم فتح تجربة الباكالوريا المغربية بالفرنسية، ثم ما لبث أن أصبح إجبارا، إذ دعت مذكرات متعددة لمديري الأكاديميات إلى ضرورة تعميم هذه التجربة على جميع المؤسسات التعليمية من الإعدادي إلى الثانوي بدون توفير أدنى شروط نجاح هذا المشروع”.
وسجل المسؤول الحكومي السابق أن “القانون الإطار يتحدث عن ست سنوات قبل دخول الهندسة اللغوية حيز التنفيذ، تخصص لتهييء المتعلمين في اللغات، سواء تعلق الأمر بالعربية أو الفرنسية أو الإنجليزية؛ وفي هذا السياق هناك حديث لعدد من أطر الوزارة الوصية عن التوجه نحو اعتماد الإنجليزية والانفتاح عليها أكثر ابتداء من سنوات الابتدائي، لكن دون أن تفصح الوزارة عن الإمكانيات والوسائل والموارد البشرية اللازمة لإخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ، ما يجعله مشروعا طموحا لا يعدو أن يكون تمنيات في غياب الإجراءات والموارد”.
وفي ما يتعلق بالتعليم العالي، يتحدث القانون عن أن جميع التخصصات تدرس باللغات الأربع، العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، كما يتحدث عن إدراج وحدة تدرس فقط باللغة العربية في جميع التخصصات؛ وهذا من شأنه أن يبقي الصلة بين الطلبة المغاربة ولغاتهم الدستورية، إلا أن الصمدي سجل فتح باب تقديم طلبات اعتماد جديدة لمسالك التكوين في الإجازة، وكذلك في باقي التخصصات الأخرى، دون أن تضم دفاتر التحملات تنصيصا على ضرورة الالتزام بهذه المقتضيات القانونية، وبالتالي “نحن أمام الإبقاء على وضعية اللغة العربية كما هي عليها، وأيضا ارتفاع لمنسوب حضور الفرنسية، وطموح الانتقال إلى الإنجليزية بالتدريج”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “القانون يتحدث عن ضرورة تملك التلميذ المغربي الحاصل على الباكالوريا اللغتين الوطنيتين ولغتين أجنبيتين على الأقل، لكن واقع الحال يظهر أن الوصول إلى هذا الطموح يحتاج إلى وقت كبير جدا”، وزاد: “من جهة أخرى هناك العديد من الأطراف دقت ناقوس الخطر، والوزير شكيب بنموسى نفسه تحدث عن ضعف امتلاك التلاميذ المغاربة الكفايات الأساسية، سواء في القراءة أو الكتابة أو الحساب، والكفايات التواصلية والمنهجية، وهو الأمر الذي يتطلب الاشتغال بالسرعة اللازمة على أجرأة مقتضيات القانون للقطع مع الفوضى اللغوية التي تعيشها المنظومة التربوية المغربية”.
لغة الهوية
من جانبه أورد فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أن “النقاش حول الإنجليزية وتعويضها بالفرنسية نقاش سياسي إستراتيجي بعيد عما هو علمي تربوي”، وأوضح أن “الأمر يتعلق بتموقع جديد للمغرب في ظل الاختراق الدبلوماسي، والصراع ضد الفرانكفونية وأذنابها”، مضيفا: “لا أثق كثيرا في هذه الدعوات، لأن الملاحظ هو الهيمنة الفرانكفونية والفرنسية بالخصوص على مجالات المغرب الاقتصادية والتربوية والسياسية”.
وتابع بوعلي: “يكفي أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أصبحت فيها اللغة العربية شبه أجنبية، ليس فقط في التعليم ولكن أيضا على مستوى التداول الإداري والمذكرات التي يتبادلها المسؤولون، إضافة إلى اللجوء إلى مراكز الدراسات الأجنبية والفرنسية لإنجاز الدراسات وتكوين المؤطرين والأساتذة”.
واعتبر المتحدث ذاته أن القضية “جزء كبير منها إستراتيجي وجزء آخر وهمي، إذ يحاول البعض إيهامنا بأن الإنجليزية قد تصبح اللغة البديلة”.
من جهة أخرى شدد رئيس الائتلاف ذاته على أن “تعويض لغة أجنبية بأخرى أجنبية لن يحل الإشكال التربوي والتعليمي، لأن التعليم لا يمكن أن ينجح ويساهم في تنمية البلد إلا إذا كان بلغة الوطن؛ واللغة التي يمكن أن نحلم بها ونفكر بها ونشعر بها هي اللغة التي يمكن أن نبدع بها، وخارج هذا الإطار يبقى مجرد اجترار للفشل وللأزمة بلغة أخرى”، مؤكدا أن “الإنجليزية لغة العلوم والمعارف، والفرنسية تجاوزها الزمن العلمي والمعرفي، لكن في الوقت نفسه ينبغي التمييز بين لغة التدريس واللغات المدرسة، والأخيرة ينبغي أن تتعدد حسب الحاجة الحضارية، لكن لغة التدريس ينبغي أن تكون فقط لغة الهوية والانتماء”.
المصدر: وكالات