يحمل صندوق النقد الدولي توقعات متفائلة للمغرب فيما يخص النمو الاقتصادي ومعدل البطالة، على الرغم من الظرفية الصعبة المتسمة دوليا باستمرار التوترات الجيوسياسية ومحليا باستمرار ارتفاع التضخم مع بوادر موسم جفاف آخر.
وقد نالت المملكة إشادة الصندوق مؤخرا بعدما وافق على خط ائتمان مرن بقيمة 5 مليارات دولار لاستعماله كخط احترازي لمواجهة أي صدمة قد يأتي بها المستقبل القريب، بعد استعمال المغرب خط الوقاية والسيولة في عام 2020 بقيمة 3 مليارات دولار ساعدته على مواجهة صدمة جائحة كورونا.
في هذا الحوار، يُجيب جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عن أسئلة هسبريس حول التوقعات الاقتصادية وأهمية خط الائتمان المرن وسبل معالجة مشكلة التضخم. كما يتطرق، أيضا، لموضوع إصلاح نظام سعر الصرف والاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي التي ستُعقد في مراكش في أكتوبر المقبل.
هذا نص الحوار:
ما هي توقعات صندوق النقد الدولي بالنسبة لاقتصاد المغرب برسم السنتين الجارية والمقبلة؟
شهد الاقتصاد المغربي تحسنا ملموسا بداية 2023، ومن المتوقع أن يرتفع النمو إلى 3 في المائة. ويأتي هذا التحسن بعد عام 2022، الذي تأثر فيه الاقتصاد المغربي بسبب الجفاف.
التحسن المتوقع في نسبة النمو يواكبه، كما في دول عديدة، ارتفاع في مستويات التضخم الذي يتوقع أن ينخفض إلى 4.6 في المائة العام الجاري؛ لكن هناك تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية، خاصة في سوق الأعمال، إذ من المتوقع أن تتراجع نسبة البطالة من 12.9 في المائة إلى 11 في المائة العام الجاري، وميزان الحساب الجاري الذي سيتحسن عجزه من 4.3 في المائة إلى 3.7 في المائة العام الجاري.
في نهاية المطاف، التوقعات الاقتصادية العام المقبل إيجابية. وعلى هذا الأساس تم إقرار خط ائتماني جديد للمغرب؛ وهو ما يؤكد على تحسن السياسات الاقتصادية التي أثبت قدرتها على مواجهة مجموعة من الصدمات في السنوات الماضية.
ما أهمية خط الائتمان المرن الجديد بالنسبة للمغرب؟
هذا الخط يُشكل نوعا من التأكيد على السياسات الاقتصادية التي يعتمدها أي بلد، وبالنسبة للصندوق فهي سياسات ناجعة جيدة في حالة المغرب، هذا خط ائتماني غير مشروط وإقراره للمغرب بعد برامج تمويلية سابقة تأكيد على 3 أمور:
أولها المتابعة والمثابرة في عملية الإصلاح وإدارة الاقتصاد الحكيم من طرف السلطات المغربية، وثانيها قدرة الاقتصاد المغربي على التكيف بعدما واجه مجموعة من الصدمات والضغوطات على سلاسل الإنتاج العالمية وارتفاع التضخم، وثالثها تأكيد منحى الإصلاح التي تقوم به السلطات المغربية بهدف تحسين الاستقرار الاقتصادي ومعالجة المشاكل البنيوية وتحسين الوضع الاجتماعي ورفع مستوى الإنتاجية والكفاءة في الاقتصاد المغربي.
هل ما زالت هناك قروض غير مؤداة من طرف المغرب لفائدة الصندوق؟
في عام 2020 وفي مواجهة أزمة جائحة كورونا، قام المغرب بسحب خط الوقاية والسيولة بقيمة 3 مليارات دولار وبعد أشهر عديدة تم تسديد جزء منه وتعمل المملكة المغربية تدريجيا على تسديد الباقي؛ ما يعني أن هناك عملا إصلاحيا من قبل الحكومة ومجهودا من أجل المحافظة على الاستقرار المالي والتخفيض التدريجي لمستوى الدين العام.
في نظركم، ما المطلوب لمعالجة إشكالية التضخم التي يواجهها المغرب؟
مشكلة التضخم هي عالمية مست كل الاقتصادات وما زال مرتفعا نسبيا بالرغم من السياسات النقدية المعتمدة في العالم لمواجهتها، ليس هناك شك أن هذا تحدّ للبنوك المركزية ومن الضروري العمل على معالجته نظرا لتأثيرها السلبي على الاقتصاد وتداعياته الاجتماعية، وخاصة على الفئات الأكثر ضعفا. لهذا السبب يبقى الاستمرار في انتهاج سياسة نقدية محافظة تعمل على مواجهة التضخم الطريقة الأفضل في هذه المرحلة لتخفيف تداعياته. وبنك المغرب قام، في أكثر من محطة، بالإجراءات اللازمة؛ من خلال رفع سعر الفائدة إلى 3 في المائة.
في التقرير الصادر خلال الأسبوع الجاري عن بعثة الصندوق إلى المغرب، تمت الإشارة إلى أن معالجة التضخم تستدعي استمرارا في رفع سعر الفائدة، هل من سقف محدد مثلا؟
تحديد السياسة النقدية مرتبط بتطورات الأرقام الخاصة بالتضخم، وهذا النهج هو الذي تعتمده البنوك المركزية التي لديها سياسة نقدية متقدمة للتحكم في مستوى التضخم ومعالجته، الأمر يتعلق بالأرقام التي تصدر بشكل مستمر حول ارتفاع الأسعار ونوعية التضخم.
إلى جانب السياسة النقدية، ما المطلوب من الحكومة في هذا الصدد في إطار السياسة المالية؟
السياسة المالية لها دور مُساند لمعالجة التضخم، وهذا الأمر يتطلب الاستمرار في عملية الإدارة المالية المحافظة التي تعتمد على خلق قدرة مالية من خلال ضبط النفقات وتعزيز قدرة الموازنة العامة وتقليص العجز، وهو ما يساعد على تخفيف ضخ السيولة في الأسواق والتي عادة ما تُشكل ضغط على الأسعار. تبقى السياسة النقدية هي الأساسية والرئيسية لمواجهة التضخم والسياسة المالية مُساندة.
موضوع تحرير سعر صرف الدرهم لا يزال ضمن توصيات صندوق النقد الدولي؛ لكنه مؤجل في ظل الظروف الحالية، كيف تقرؤون مسار المغرب في هذا الإصلاح؟
مسار المغرب في سياسة سعر الصرف كان متأنيا من طرف بنك المغرب؛ فقد حرص، في الأعوام الماضية، على تجنيب الاقتصاد الوطني تأثير الصدمات التي كانت متعددة بدءا من كورونا والجفاف الشديد وصولا إلى ارتفاع الأسعار وضُعف العرض العالمي. لهذا السبب كان من الضروري الموازنة والحفاظ على الاستقرار الماكرو اقتصادي وضبط مستويات التضخم واستعمال الأدوات النقدية وأدوات سعر الصرف لتخفيف تأثير الصدمات الخارجية آخرها الحرب في أوكرانيا.
هذه الإجراءات التي اتخذها المغرب في المجمل كان لها انعكاس إيجابي من خلال تأمين قدرة الاقتصاد على الصمود. واليوم يبقى الهدف هو الاستمرار في السياسة النقدية للجم التضخم والمحافظة على الاستقرار المالي والتقليص التدريجي للعجز ورفع مستوى كفاءة الإنفاق العام وتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والبنيات التحتية لتخفيف الفجوات الاجتماعية والفقر، خاصة مع ارتفاع حجم القطاعات غير المهيكلة في السنوات الماضية. كما يجب العمل على تطوير اقتصاد جديد يعتمد على المحافظة على البيئة والتكنولوجيا.. كل هذه الأمور ستساعد المغرب في ظل الظرف الاقتصادي العالمي المتقلب جدا.
ما هي المواضيع المطروحة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي في أكتوبر المقبل بمراكش؟
هذا اجتماع مهم جدا، فهو أول اجتماع يُعقد خارج واشنطن منذ جائحة كورونا، وآخر مرة عُقد في إفريقيا كان قبل 50 سنة، وفي منطقة الشرق الأوسط منذ 20 سنة.
هذه الاجتماعات تأتي في ظرف استثنائي يتسم بدرجة كبيرة من التشنجات الاقتصادية التي تطرح مصاعب وأسئلة كبرى، وتأتي في ظل تحولات اقتصادية تستدعي رفع النمو للوصول إلى القدرة على تحسين الأوضاع الاجتماعية.
لهذا الغرض، يبقى المغرب من أفضل البلدان لاستضافة هذا الحدث؛ لأنه يقع على تقاطع حضارات وثقافات، إنه بلد يتمتع بدرجة عالية من الانفتاح نحو الشرق والغرب والجنوب، وهو من إحدى الأبواب الكُبرى نحو إفريقيا. هذا التواصل الحضاري والثقافي والتطور الذي حققه في السنوات الماضية لتطوير قطاعات اقتصادية متقدمة يشكل عنوانا في حد ذاته؛ لأن الهدف من هذه الاجتماعات هو فتح حوارات لمعالجة الأزمات وتخفيف الاختلافات الموجودة وإشراك أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع.
خلال هذه الاجتماعات، سيكون هناك تركيز كبير على دور الشباب والمرأة في المنطقة. كما سيتم تنظيم أنشطة تحضيرية مع الحكومة وبنك المغرب للتأكيد على أهمية الاستقرار الاقتصادي والعمل على استشراف التحولات الكبرى؛ مثل القطاعات البيئية والتكنولوجية.
من المرتقب أن يشارك في هذه الاجتماعات أكثر من 190 وفدا رسميا، بالإضافة إلى المؤسسات الإقليمية والدولية بمشاركة ما لا يقل عن 10 آلاف مشارك؛ من ضمنهم ممثلو القطاع المالي والمصارف والمؤسسات المالية والنقدية، بالإضافة إلى عدد كبير من المختصين وصناع القرار.
يُعد هذا الموعد أهم حدث اقتصادي سنوي في العالم، ونحن فخورون أن ينظم في المغرب ونعمل بجد للنجاح في ذلك من خلال تنظيم حوالي 30 نشاطا تحضيريا خلال العام الجاري في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط في إطار الاستعداد للاجتماعات.
لدينا كل الثقة في المغرب لما لديه من خبرة في تنظيم مثل هذه الاجتماعات، على غرار مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب22. ونحن نتطلع إلى أن تكون هذه النسخة من الاجتماعات ناجحة ومميزة، بنوعية الحوارات وإشراك عدد كبير من دول الجنوب وإبراز المواضيع المتعلقة بالنمو والحوكمة وتحسين البيئة الاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: وكالات