قضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الثلاثاء الماضي، بالبراءة لفائدة المواطن المغربي الذي يحمل الجنسية الفرنسية رضا أباكريم، الذي توبع في حالة اعتقال من أجل جرائم الاختطاف والاحتجاز والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
ويأتي صدور الحكم بالبراءة في حق المتهم المذكور، الذي يقطن بالإمارات العربية المتحدة، بعدما سبق أن أدين غيابيا من لدن القضاء الفرنسي بمدينة فرساي، رفقة المسميين “كريم.ب” و”محمد.ع”، باختطاف واحتجاز وقتل الضحية “إبراهيم. حجاجي”، خلال يونيو 2007، في إطار تصفية حساب لهم معه حول تجارة مخدر القنب الهندي.
*اختفاء الضحية
بتاريخ 25 يونيو 2007، تقدم المسمى مراد كرهان إلى مقر الشرطة بمدينة بواسي التي تبعد عن باريس بحوالي 15 كيلومترا، للتبليغ عن اختفاء صديقه إبراهيم حجاجي، مؤكدا أن الأخير أخبره عن عزمه اللقاء مع أشخاص لإنجاز عمل من تكليف رضا أباكريم، المتهم بالاتجار بالمخدرات بحي كودراي بالضاحية المذكورة، ولافتا إلى أن المُبلّغ عن اختفائه كان مشوش الذهن لأنه كان سببا في ضياع كمية من مخدر الشيرا المستخلص من القنب الهندي.
بعد هذا التبليغ، سيؤكد والدا الضحية في شكاية رسمية واقعة اختفاء ابنهما، الذي كان على موعد للقاء حدده المسمى رضا أباكريم، موردين أنه كان قد أشعر صديقه مراد كرهان بالموعد، بالإضافة إلى المسميين إبراهيم رحاحلية ورشيد حجاجي، ما يؤكد تخوفه من اللقاء المذكور.
وبدأت الأبحاث فور ذلك، حيث تم الاستماع إلى مجموعة من الأشخاص، فأفاد المبلغ عن الواقعة بكونه استفسر المتهم رضا أباكريم، الذي ادعى أن المسمى “محمد عباس” من قام بنقل الضحية على متن سيارة إلى قرب منزله، بينما ادعى الأخير أن رضا أباكريم من قام بذلك.
وتشير المعطيات المتوفرة لدى الشرطة الفرنسية، التي وافت بها السلطات القضائية المغربية، إلى أن المسمى “بلال جراد” كان قد أخبر مراد كرهان وشقيق الضحية بأنه عاين أثناء تواجده في غابة لاكودري لاستخراج كمية من مخدر الشيرا كان يخفيها سيارة رمادية اللون يتولى سياقتها محمد عباس، ويرافقه على متنها رضا أباكريم والضحية، لافتا إلى أن المسمى كريم بلمهدي كان متواجدا بالمكان، حيث قام رفقة “محمد عباس” باستخراج معاول خاصة بالحفر من العربة، قبل أن يشاهد بعد مدة من ذلك المتهم رضا أباكريم يحمل جثة الضحية وهي مجردة من الملابس ويتم وضعها في الحفرة.
وأضاف المسمى “بلال جراد”، خلال الاستماع إليه من لدن قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمدينة فرساي، بتاريخ 29 يناير 2010، أنه بعد انصراف المعنيين عمد إلى إخراج جثة الضحية وأعاد دفنها في مكان آخر داخل الغابة، في محاولة منه لابتزازهم والاستفادة من مبالغ مالية من رضا أباكريم، غير أن الأخير حاول قتله وأطلق الرصاص عليه في مناسبتين.
وتم بإرشاد من “بلال جراد” العثور على جثة مدفونة بالغابة المذكورة، تبين بعد إجراء التحليل الجيني عليها أنها تعود إلى الضحية إبراهيم حجاجي، ليتم بعدها توقيف المسمى “محمد عباس” الذي اتهم “بلال جراد” بقتله.
كريم رمضان الشركي
ازداد رضا أباكريم بالضاحية الباريسية سنة 1982، هناك تابع دراسته إلى حين حصوله على شهادة الباكالوريا، ليشرع بعدها في الاشتغال في التجارة عبر بيع الأشياء الثمينة من الساعات والحلي النسائية. ظل الوضع على ما هو عليه إلى سنة 2007، إذ قدمت شكاية عن اختفاء الضحية إبراهيم حجاجي، ليدخل إلى المغرب من أجل الاستقرار بشكل نهائي بعد اقتنائه شقة في شارع 2 مارس بالدار البيضاء.
وأكد أباكريم أثناء الاستماع إليه من طرف الشرطة القضائية المغربية أنه ظل يمكث في المغرب إلى غاية سنة 2017، حيث هاجر رفقة زوجته وأبنائه إلى الإمارات العربية المتحدة، ليستقر هناك، إلى غاية عودته إلى المملكة وتوقيفه بتاريخ 21 دجنبر 2020.
وتم توقيف المعني بمطار محمد الخامس الدولي جراء استعماله جواز سفر فرنسي يحمل صورته وهوية كريم رمضان الشركي، مؤكدا أن تغيير الهوية يأتي عقب تلقيه تهديدات من طرف أفراد من أسرة الضحية إبراهيم حجاجي يعتقدون أنه وراء قتله وفراره إلى المغرب.
ووفق تصريحاته لدى الضابطة القضائية بولاية أمن الدار البيضاء، سافر أباكريم سنة 2014 من المغرب إلى فرنسا عبر إسبانيا بغاية الحصول على جواز سفر جديد لقرب انتهاء صلاحية جواز سفره، وبعد تأكده من عدم إمكانية تجديده، حصل بمساعدة أحد أصدقائه على جواز سفر بهوية كريم رمضان الشركي.
وخلال مثوله أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أكد المعني بالأمر أنه بعد الوصول إلى فرنسا عبر الحدود الإسبانية، بمساعدة من أحد أصدقائه، تحصل على عقد ازدياد باسم كريم رمضان الشركي، فيما تبين أن الاسم يعود لشخص يعيش بمدينة لوهافر الفرنسية، مقابل مبلغ ألف أورو.
وعمل المتهم، وفق إفاداته، على تأسيس شركة في دبي بالإمارات العربية المتحدة تدعى “مولكتريدين”، وتمكن من الحصول على الإقامة هناك بهوية كريم رمضان الشركي.
*نفي المتاجرة بالمخدرات
بعد مواجهة أباكريم/رمضان الشركي بأبحاث السلطات القضائية الفرنسية من لدن الضابطة القضائية، أكد المتهم أن الضحية وكذا “بلال جراد” يظلان صديقي الطفولة، كما جمعته بالضحية رحلات وسفريات متعددة، لافتا إلى أن المعنيين بالأمر ينشطان في مجال الاتجار بالمخدرات.
وأوضح المتهم، وفق المعطيات المتوفرة، أنه اتهم سنة 2007 بالوقوف وراء اختفاء الضحية من لدن أقاربه، وتلقى تهديدات منهم بالتصفية إذا لم يكشف لهم عن مكان تواجده، ما اضطره إلى مغادرة فرنسا خوفا على نفسه، قبل أن يبلغ إلى علمه توريطه في القضية.
كما نفى المعني خلال التحقيق معه من طرف الضابطة القضائية اتجاره بالمخدرات، مؤكدا عدم وجود سوابق له في التورط في النشاط المذكور أو أن تكون قد وجهت له تهمة في هذا الشأن.
وحول عدم مثوله أمام القضاء الفرنسي بعد علمه بالمتابعة، أجاب المعني بالأمر بأنه لا يثق في القضاء الفرنسي رغم طمأنة دفاعه بالحصول على البراءة بنسبة كبيرة، لافتا إلى أن مجموعة من الخروقات والتجاوزات وقعت في مرحلة البحث التمهيدي أمام الشرطة الفرنسية، تورط فيها ضابط مكلف بالبحث في القضية.
*القضاء يبرئ والدفاع يستأنف
بعد البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي والاستماع إلى الشهود، قرر قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بالبيضاء، بتاريخ 18 مارس 2022، متابعة رضا أباكريم من أجل جنايات المساهمة في الاختطاف عن طريق استعمال ناقلة ذات محرك، والاحتجاز، والقتل العمد مع سبق الإصرار طبقا لمقتضيات الفصول 128-436 في فقرتيه الأولى والثالثة، 392-393 و394 من القانون الجنائي.
وعلل قاضي التحقيق قراره بأن إنكار أباكريم كونه وراء اختفاء وقتل الضحية ودفن جثته بالغابة المجاورة لحي كوداري تكذبه أدلة عدة، ضمنها إفادات بلال جراد أمام القضاء الفرنسي، وقرينة الفرار من فرنسا إلى المغرب والاستقرار به مباشرة بعد اختفاء الضحية، ثم الشروع في التحرك بهوية كريم رمضان الشركي.
وفي وقت جرت إدانة المتهم غيابيا من لدن محكمة فيرساي سنة 2021 بالسجن 21 سنة نافذة، قضت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالبيضاء ببراءته من المنسوب إليه، ليغادر بذلك السجن يوم الثلاثاء.
ووفق منطوق الحكم فقد قضت المحكمة في الدعوى العمومية بعدم مؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه، والحكم ببراءته، مع تحميل الخزينة العامة الصائر؛ فيما قضت في الدعوى المدنية التابعة بعدم الاختصاص للبت في المطالب المدنية.
وأكد المحامي محمد أغناج، دفاع المطالب بالحق المدني إبراهيم حجاجي، الذي اختفى قبل أن يتم العثور عليه مقتولا في إحدى ضواحي باريس، أن الحكم الصادر في حق رضا أباكريم “تلقيناه باستغراب وشكل مفاجأة لنا”.
وأوضح أغناج، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه كدفاع للمطالب بالحق المدني سيعمل على سلك مسطرة استئناف الحكم الصادر في حق المتهم الذي أدين غيابيا في فرنسا.
المصدر: وكالات