منذ قديم الزمان وكانت الحرف اليدوية المرتبطة بالفنون الإسلامية تحتل المركز الأول فى الصناعات المصرية، مرّت العصور وتبدّلت الأزمنة وتحول النور الذى صار على هداه الحرفيون إلى شعاع تلتمسه الأجيال الباقية المقاومة لحماية صنعتهم المتوارثة، وينقشون أسرارها على تحف منمّقة بزخارفها تهفو إليها القلوب فتشتاق الأنفس لازدهار هذه الفنون.
«الوطن» تحدثت مع خبراء فى التراث والآثار الإسلامية حول وضع عدد من الحلول التى يمكن بها أن تعيد الصناعات اليدوية المرتبطة بالفنون الإسلامية إلى سابق عهدها، والحفاظ على الهوية البصرية، فهى المسئولية المشتركة بين أجهزة الدولة و«أسطوات» هذه الحرف.
فى البداية تحدث الباحث الأثرى سامح الزهار، المتخصّص فى الآثار الإسلامية والقبطية، أنه منذ ظهور الفنون الإسلامية وهى تعانى من مشكلات تهدّد قوة بقائها، بينها انصراف صانعيها إلى مهن ذات ربح أكبر، لكن الدولة الإسلامية بعصورها المختلفة، واجهت المشكلات بعدد من الحلول المرتكزة على توفير المناخ الجاذب والآمن للصناع.
وأوضح الباحث الأثرى أن الدولة الإسلامية عملت على إنشاء المدارس التعليمية الخاصة بهذه الفنون، وخصّصت المنح المادية لتتيح مساحة من الخيال والإبداع فى تصميم القطع الفنية أصبحت فى ما بعد قطعاً أثرية، مما أدى إلى شهرة عدد من الصنايعية، مثل «محمد بن سنقر البغدادى»، الذى صنع القطع الفنية الخاصة بالسلطان محمد بن ناصر قلاوون.
واستطرد «الزهار» فى حديثه لـ«الوطن»، أن تخصّص كل مجموعة من الحرفيين فى مهنة محدّدة خلق ما يُعرف بالمدن الصغيرة داخل القاهرة القديمة، مثل منطقة الخيامية المتخصّصة بالمشغولات القماشية اليدوية، والمستمرة حتى الآن.
«الزهار»: إنعاش الحرف يبدأ بإنشاء كيانات تعليمية فنية على طريقة مدارس الفسطاط لصناعة الفواخير والخزف
ومن الطبيعة السابقة للحرف اليدوية، أوضح الباحث الأثرى أن مسئولية ازدهارها من جديد مهمة مشتركة بين الدولة وصناعها، وهذا ما بدأته الدولة بالفعل، مثل السعى وراء إنشاء المدارس التعليمية الفنية، المتمثل فى مدارس الفسطاط لصناعة الفواخير والخزف، لكننا نحتاج إلى المزيد من هذه المدارس، أو يمكن إنشاء أقسام تعليمية داخل مدارس التعليم الفنى، حتى نضمن وصولها وانتشارها بين أبناء المحافظات. ومن إنشاء المدارس إلى إقامة المعارض التسويقية لمنتجات الحرفيين، وأوضح «الزهار» أننا فى حاجة إلى إقامة المزيد من المعارض على غرار «ديارنا وتراثنا»، خاصة داخل المحافظات، وأيضاً ضرورة الاهتمام بالتسويق الدولى لهذه المنتجات، من خلال التعاون بين الجهات المختصة، مثل وزارة التخطيط والصناعة والغرف التجارية والتواصل مع الصنايعية لتسويق هذه المنتجات.
ومن أهم الحلول التى وضعها «الزهار» هى ضرورة أن تعمل وسائل الإعلام بمنصاتها المختلفة على الترويج لأعمال الحرفيين والمناطق المتخصّصة فى صناعة الحرف اليدوية، وأن يسند للصنايعية و«أسطوات» الحرف اليدوية فى القاهرة القديمة، بناء الديكورات الخاصة والإكسسوارات فى الأعمال الفنية التى تتناول كل ما يخص هذه الفترة، وأيضاً يتم استغلال مهارة الحرفيين الحاليين فى بناء الديكورات الخاصة بإنشاءات الدولة الحديثة لإحياء الهوية البصرية.
ومن هذه النقطة تحديداً تحدّث الباحث أسامة الكسبانى، مدير وحدة التراث الحضارى بمعهد البحوث الفلكية، حول أن سوق الحرف اليدوية تحتاج إلى دعم من اتحاد الصناعات ووزارة الصناعة لإقامة المعارض الدولية خارج مصر، لتسويق منتجات الحرف اليدوية، موضحاً أنه رغم ظهور الوسائل الحديثة التى يمكن الاعتماد عليها لصناعة هذه المنتجات، لكن يظل الشكل التقليدى هو الأكثر جمالاً وإبداعاً وتميزاً.
ومن ضمن الحلول التى وضعها «الكسبانى»، خلال حديثه لـ«الوطن»، لإحياء الحرف اليدوية أن يعتمد مصممو الديكورات الداخلية فى المنازل والعمائر على أشكال العمارة الإسلامية، حتى يعتاد عليها الجمهور، وهذا ما يضمن إحياء صناعات التراث المصرية. واختتم «الكسبانى» أنه يمكن تشجيع الطلاب فى مدارس التعليم الفنى على الصناعات التراثية وتسويق منتجاتهم الخاصة فى معارض تسويقية، وكل هذه العوامل تؤدى إلى إحياء الحرف اليدوية المرتبطة بالزخارف الإسلامية والحفاظ عليها من الاندثار.