بعد “أحلام غير منتهية الصلاحية” و”براد المخزن ونخبة السكر”، أصدر الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس الجزء الثالث من سلسلة مقالاته “في وصف حالنا” الموسومة بعنوان “ليكن هناك نور”، عن منشورات النورس.
الكتاب هو سلسلة مقالات للتعبير عن الرأي أو التحليل السياسي، معظمها كان عبارة عن افتتاحيات في أكبر الأسبوعيات التي وشمت الجسد الصحافي المغربي وتحمّل فيها كوكاس رئاسة التحرير أو إدارة الجريدة في لحظة مفصلية، أو مقالات تحليلية لأحداث ووقائع سياسية آنية في مرحلة متميزة من الزمن السياسي المغربي مع نهاية قرن وبداية آخر، أفول عهد وميلاد عهد جديد، ما يسميه الكاتب بزمن العتبة، بمخاضاته الكبرى، بأحلامه التي حررت الطاقات والأصوات، بخيباته وتوهجاته، بأسراره الحارقة التي كان الكاتب في قلب جزء منها شاهدا على تفاعلاتها أو مجرد متتبع لها، بما يعني أن هذه الكتابات كانت في قلب بوتقة انصهار المواد الأولية في الفرن الأساسي لهذه المرحلة، إضافة إلى مقالات تحليلية بنت زمنها الحاضر.
في تقديم الكتاب الجديد “ليكن هناك نور”، نقرأ مجموعة من الشهادات في حق الكاتب، بينها شهادة للمفكر عبد السلام بنعبد العالي، مما جاء فيها: “تتميز كتابات الأخ عبد العزيز كوكاس بكونها تهتم بالمبنى بقدر ما تهتم بالمعنى، حتى أننا نعجز في بعض الأحيان عن تفسير إعجابنا بنصوصه، فلا نستطيع أن نرد ذلك إلى انبهارنا أمام صياغتها، أم إلى اقتناعنا بأفكارها، وما إذا كان الأمر يعود إلى جمال العبارة، أم إلى عمق الفكرة.
ما يزيد هذه الكتابة حيوية، هو أنها لا تكتفي بعرض أفكار مجردة. فهي لا تكتب من أجل الكتابة، وإنما تحاول ملاحقة تطور الأحداث ومعانقة الحياة الفعلية بأسلوب حي، فتجمع بين طراوة الحدث وطراوة الكتابة”.
وشهادة للمؤرخ مصطفى بوعزيز الذي ذهب إلى أن “عبد العزيز كوكاس حامل قلم بامتياز ينحت كلماته من صخر، وينسج نصوصه بسهل ممتنع يشي بصنعة راقية.. فهو في البدء أديب، يُجوّد ويُبدع كالبرّاد المغربي ليهدي للقارئ شايا مُشحّرا تتفاعل مكوناته المغربية لتعتصر عسيّلة أسيلة.
لما اقتحم عبد العزيز كوكاس الحقل الإعلامي الوطني، ساهم في نفض بعض الغبار الذي تراكم في المركز من جراء الاستقطاب الحاد بين المنابر الرسمية والمنابر الحزبية، فأضحى كوكاس أحد وجوه توجه ثالث يصبو للاحترافية وللالتزام المواطن. غالبا ما كان، في مقالاته واستجواباته، مستفزا، إلا أن الأمر كان يتعلق باستفزاز منتج. كان يعتصر الفاعلين في الحقلين السياسي والاجتماعي ليستخرج منهم جوهر ما يفكرون فيه وما يؤطر فعلهم. بالرغم من ابتسامته الساحرة، لم يكن مجاملا ولا نصيرا لهذا أو ذاك، لم يدّع التجرد ولا الموضوعية المطلقة، فله قضاياه ومنها الحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية التفكير والتعبير والإخبار.
لم أكن دائما على وفاق مع عبد العزيز كوكاس، إلا أنه حظي دائما بتقديري الخاص، فقد كان ولا يزال يذكرني بقامات كبرى كجون لاكوتير، ومحمد حرمة باهي، ومحمد حسنين هيكل… شخصيات جمعت بين جودة القلم وعمق التحري وسحر الإبداع”.
الكتاب الذي يقع في 189 صفحة يضم سلسلة من المقالات تمتد عبر زمن شاسع من 1996 حتى اليوم، تلخص في مفاصلها الأساسية تدرج كوكاس في مقام صاحبة الجلالة، بكل انتصاراته وانكساراته.
يقول الكاتب في تصديره لكتابه الجديد “ليكن هناك نور”: “حين كنت أخط هذه الكتابات لم أكن أفكر يوما في إصدارها مجتمعة في كتاب، كانت وليدة اللحظة السياسية والصحافية التي أملت كتابتها، فالتحليل الصحافي محكوم باللحظة الزمنية التي أوحت به، المقال الافتتاحي هو تعبير عن موقف من قضية ومحاولة فهم حدث أو واقعة، يفكر في اللحظة أكثر مما يهمه الخلود، لأنه مشروط براهن كتابته، لكن بعد مرور الزمن، ثمة ما يبقى صامدا، هل لأن الواقع لم يتغير كثيرا أم لأن عمق الكتابة بكل الوجع المصاحب لها نجح في القبض على ما هو جوهري في الميكانيزمات المحركة للأحداث والوقائع؟
ثمة خيط ناظم للمواقف المعبر عنها وللقضايا التي ظلت تشغل بال الرأي العام، ليس هناك صعود وهبوط، ولا قول الشيء ونقيضه حسب الأهواء ومواقع اللحظة، صحيح ثمة سذاجة تلحظ في التعبير عن بعض القضايا، سذاجة البدايات وراءها صدق كبير، وحماس قد يبدو بمعيار النضج زائدا عن اللزوم”.
المصدر: وكالات