في يوم 15 مارس 2022 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين قرارا تحت رقم 76/254 تم بوجبه الإعلان رسميا عن “اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام”. وقد قدم هذا القرار بصفة رسمية مندوب جمهورية باكستان الإسلامية لدى الأمم المتحدة نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، ولقي ترحيبا واسعا من قبل شخصيات سياسية وقيادات دينية وباحثين وخبراء متخصصين في العلاقات الدولية من العالم الإسلامي ومن خارجه. كما نوهت بصدوره عدد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالحوار والتسامح والوئام بين الشعوب والتعايش بين أتباع الأديان .
وفي ديباجة القرار أشارت الجمعية العامة إلى مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الأنسان الداعية إلى تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، وذكرت بقراراتها السابقة ذات الصلة والمتعلقة بمكافحة التعصب والقولبة السلبية والوصم والتمييز والتحريض على العنف وممارسته ضد الأشخاص بسبب دينهم أو معتقدهم. كما شددت الجمعية العامة في ديباجة القرار على أن حرية التعبير أو المعتقد وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وحق الحرية هي حريات وحقوق مترابطة ومتشابكة يعزز بعضها بعضا. وعبرت عن قلقها إزاء الزيادة المسجلة في أعمال التمييز والتعصب والعنف ضد أفراد العديد من الطوائف الدينية، بما فيها الحالات التي تحدث بدافع كراهية الإسلام ومعاداة السامية والتحامل على أتباع الديانات أو المعتقدات الأخرى. وأكدت من جديد على أن الإرهاب والتطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب لا يمكن ولا ينبغي ربطهما بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية.
لقد دعا القرار الأممي إلى تكثيف الجهود الدولية الرامية إلى تشجيع إقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، استنادا إلى احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات، كما طلب من جميع الدول الأعضاء والمؤسسات المعنية في منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدينية الاحتفال باليوم الدولي بالطريقة اللائقة .
وفي تقرير نشرته الأمم المتحدة في موقعها الرسمي تم تعريف كراهية الإسلام على النحو التالي: “كره الإسلام أو كراهية الإسلام- أو ما يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”- هي الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت. وتستهدف تلك الكراهية-بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية- الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلم”. وأوضح التقرير أن هذا التعريف يؤكد الصلة بين المستويات المؤسسية لكراهية الإٍسلام ومظاهر مثل تلك المواقف التي يؤججها بروز هوية الضحية المسلمة المتصورة. ويفسر هذا النهج أيضًا كراهية الإسلام بوصفها شكلا من أشكال العنصرية، حيث يُنظر إلى الدين والتقاليد والثقافة الإسلامية على أنها “تهديد” للقيم الغربية. وأشار التقرير إلى أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد أكد أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية.
من المهم الإشارة إلى أن تقرير الأمم المتحدة المذكور اعترف بأن المسلمين في الدول التي يمثلون فيها أقلية، غالبًا ما يتعرضون للتمييز في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عمل وفي التعليم. وفي بعض الدول يُحرمون من الجنسية أو من وضع الهجرة القانوني بسبب تصورات معادية للأجانب بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب. كما يتم استهداف النساء المسلمات بشكل غير متناسب في جرائم كراهية الإسلام.
وفي فقرة بالغة الأهمية من هذا التقرير نقرأ ما يلي: “في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 وغيرها من أفعال الإرهاب المروعة الأخرى التي يُزعم بأنها نُفِّذت باسم الإسلام، تزايد الارتياب المؤسسي في المسلمين وفي من يُعتقد أنهم مسلمون إلى درجات وبائية. فالعديد من الدول- إلى جانب هيئات إقليمية ودولية- ردت على التهديدات الأمنية باعتماد تدابير تستهدف المسلمين أكثر من غيرهم، وتعرف المسلمين بأنهم في الوقت نفسه أناس يشكلون خطرا كبيرا، ومعرضون لخطر التطرف. وقد أدامت قوانين وسياسات وممارسات كذلك أفكارا نمطية وعبارات مجازية مؤذية تصور المسلمين ومعتقداتهم وثقافاتهم على أنها تهديد، وذلك بالاستناد إلى اختزالات إمبريالية ترسخت منذ وقت طويل تعتبر المسلمين “آخرين” من المنظور الثقافي. وأدت تلك التصورات المغلوطة والمنتشرة والصور النمطية المسيئة إلى إدامة التمييز والعداء والعنف تجاه المسلمين، أفرادا وجماعات”.
إن ما ورد في هذه الفقرة من تقرير الأمم المتحدة هو اعتراف صريح وشجاع بخطورة ظاهرة كراهية الإسلام، التي تعد اليوم من أكثر الظواهر التي تحظى باهتمام الرأي العام الغربي، سواء في مستواه الشعبي أو الرسمي، ويتجلى ذلك بشكل واضح في اهتمام مراكز ومعاهد البحوث السياسية والاستراتيجية والإعلامية الغربية بالإسلام. وتتراوح آراء المحللين والمفكرين السياسيين والإعلاميين في الغرب في نظرتهم إلى الإسلام بين اعتباره دينا وثقافة وحضارة تهدد الحضارة الغربية وتتصادم معها، وبين الدعوة إلى الحوار والتعايش والتفاهم والاحترام المتبادل بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. ومن المتفق عليه أن الباحث الأمريكي صموئيل هنتنغتون ساهم كثيرا في إشعال شرارة كراهية الإسلام في العصر الحديث، حيث توقع جازما في نظريته حول صراع الحضارات اندلاع النزاعات والصدامات في المستقبل القريب بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية انسجاما مع خاصية التنازع المستمر بينهما منذ أربعة عشر قرنا عبر مسيرة تاريخية مثقلة بالعدائية والعنف، مما جعله يصنف الحضارة الإسلامية كحضارة صراعية تعتمد الصدام والصراع. ولم تكن نظرية الصدام بين الإسلام والغرب لهنتنغتون وحدها السبب الرئيس في انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية، فقد سبقه كثير من المفكرين والمستشرقين ذوي النظرة العدائية للإسلام، الذين روجوا أفكارا ونظريات موغلة في التشاؤم والتحذير من الإسلام والمسلمين، ومن أبرز هؤلاء الأمريكي برنارد لويس، المعروف بمواقفه المناوئة للإسلام، الذي ألقى نهاية عام 1990 محاضرة في موضوع “الأصولية الإسلامية” تنبأ فيها بحتمية الصراع بين الإسلام والغرب، مثيرا زوبعة من التخويف والتحذير من الإسلام. وعزا أسباب ذلك الصراع إلى جوهر دعوة الإسلام التي ترفض الآخر وتبغي الاختلاف وتكرس الرؤية الاستبدادية وتبعث على الخوف والحذر.
لقد كان من أسباب بروز ظاهرة كراهية الإسلام مقولة الخطر الإسلامي الناجم عن تزايد عدد المسلمين، التي أضحت تشكل عقدة خوف من الإسلام امتدت آثارها بشكل سلبي واضح إلى الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية. كما أصبحت ورقة رابحة تستخدم للتخويف من الإسلام كلما برز الشأن الإسلامي على الساحة الدولية بصورة لافتة أو ظهر مؤشر من مؤشرات قوة الإسلام وعظمته وسرعة انتشاره .
من جهة أخرى، من المهم الإشارة إلى أن اعتماد الأمم المتحدة قرار “اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام” يندرج في مسار طويل ومكثف من النقاشات والاجتماعات والمشاورات حول قضية الإساءة للأديان وتداعياتها القانونية والثقافية والسياسية والأمنية. لقد شهد مجلس حقوق الإنسان نقاشا ساخنا بين أعضائه حول مفهوم الإساءة للأديان وعلاقته بحرية التعبير سنة 2008، خاصة بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية المهينة لشخص الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في بعض الصحف الدانماركية والفرنسية، وذلك عند مناقشة تقرير حول الموضوع هيأه المقرر الأممي الخاص حول أوجه التمييز العنصري، وفيه اقترح استبدال مفهوم “الإساءة إلى الأديان” بمفهوم “التحريض على الكراهية”. وحصل انقسام وسط أعضاء المجلس بين من يرى ضرورة وضع قانون لحماية الأديان، ومن يرفض ذلك بمبرر أنه سوف يؤدي إلى الحد من حرية التعبير.
في هذا السياق نشير كذلك إلى أنه حصل تباين كبير في وجهات النظر بين مجموعتين، المجموعة الأولى مكونة من الدول العربية والإسلامية، وإلى جانبها الدول الأفريقية والآسيوية، وتعتبر أن هناك ضرورة ملحة لإصدار قرار يهدف إلى وضع قانون دولي يحمي الأديان من المس بها وتجريحها والإساءة إليها. والمجموعة الثانية مكونة من الدول الغربية التي تعتبر أن ما هو مضمن في الاتفاقيات والإعلانات الدولية القائمة كاف لحماية الإساءة إلى الأديان، كما اعتبرت أن أي تشريع جديد لن يكون من أمره إلا المساس بحرية الرأي والتعبير. وبصفة عامة فإن الاتجاهين متفقان على ضرورة محاربة التحريض على الكراهية، لكن أحدهما يصر على ضرورة حماية الأديان، ولو أدى ذلك إلى الحد من حرية الرأي والتعبير، بينما يتمسك الآخر بحرية التعبير ولو أدى ذلك إلى الانتقاد والإساءة إلى الأديان.
لقد انعكس النقاش بين المجموعتين في القرار رقم 65/224 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 أبريل 2011 حول مناهضة تشويه صورة الأديان، والذي استحضر مختلف الجهود التي بذلت في هذا الإطار مند نشوء الأمم المتحدة إلى حدود لحظة إصداره. كما استعرض القرار المذكور مختلف الاتفاقيات الدولية والإعلانات والقرارات الدولية ذات الصلة بموضوعات عدم التمييز بكل صوره، خاصة التمييز الديني والكراهية ضد الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى، ثم اليهودية والمسيحية. وأكد القرار في فقرته 9 على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تعرب عن استيائها من استخدام وسائل الإعلام المطبوعة والسمعية البصرية والإلكترونية في التحريض على أعمال العنف وكراهية الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب، وتمييز ضد أي دين، ومن استهداف الكتب المقدسة، وأماكن العبادات، والرموز الدينية لجميع الأديان وانتهاك حرماتها. ودعا القرار كافة الدول إلى واجب تطبيق أحكام الإعلان الخاص بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، والعمل في إطار أنظمتها القانونية والدستورية بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحط من شأن الأديان ومكانتها.
إن ظاهرة كراهية الإسلام والتخويف منه ضد حركة التاريخ، وضد القانون الدولي، وضد إرادة حكماء العالم. بل هي قضية من القضايا الخطيرة التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين، باعتبارها تتعدَّى المجال الخاص، ونقصد به هنا الإسلام والمسلمين بصورة عامة، إلى المجال العام، الذي يشمل العالم أجمع والإنسانية قاطبة؛ لأن من شأن ازدراء الدين الإسلامي وإشهار الحرب الفكرية والدينية ضده أن ينعكس سلبًا على جميع الأديان وعلى أتباعها من المؤمنين كافة.
مع الأسف ما زالت الظاهرة صناعة واسعة الرواج تدبرها أحزاب اليمين المتطرف لأغراض انتخابية بالدرجة الأولى، في إطار حملات إعلامية تقوم على الإثارة والتخويف وتحريك المشاعر الدينية والثقافية بالتدليس والتشويه. لذلك دعا المجتمع الدولي عامة إلى مقاومة هذه الظاهرة الخطيرة، ليس فقط لأنها تستهدف الإسلام والمسلمين، ولكن لأنها تسيء إلى الإنسانية جمعاء، وتحارب القيم والمثل العليا، وتَتعَارَضُ مع مبادئ حقوق الإنسان، ومع أحكام القانون الدولي.
لقد بدأت تظهر مبادرات مهمة من دول غربية استجابة لدعوة الأمم المتحدة، ومنها مبادرة كندا التي عينت في يناير الماضي أول ممثلة خاصة معنية بمكافحة الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام)، وهو منصب استُحدث بعد سلسلة هجمات استهدفت المسلمين مؤخرا في كندا. وأكد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الكندي أن الصحفية والناشطة أميرة الغوابي ستشغل المنصب “لتكون مناصرة ومستشارة وخبيرة وممثلة لدعم وتعزيز جهود الحكومة الفدرالية في مكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية المنهجية والتمييز العنصري وعدم التسامح الديني”.
لذلك لا يكفي الإعلان عن “اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام” والدعوة للاحتفال به مرة واحدة في السنة، وإنما يتعين تنفيذ كثير من المبادرات العملية والمستدامة في المجالات التشريعية والحقوقية والثقافية والتربوية والإعلامية، بتنسيق وتعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
في العالم الإسلامي لا مناص من تنسيق الجهود وتعزيز الشراكة والتعاون بين منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ورابطة العالم الإسلامي لأنها جميعها تتوفر على وثائق مرجعية مهمة ذات الصلة بالموضوع، وراكمت خبرات مهمة في معالجة ظاهرة كراهية الإسلام إقليميا ودوليا، كما أنها تمثل ركيزة العمل الإسلامي المشترك، وتمتلك رؤية استشرافية جديدة تؤهلها للانخراط الفعلي في الجهود الدولية الرامية إلى ترسيخ قيم السلم والتسامح والتعايش ونبذ العنف والكراهية والتمييز العنصري.
*باحث في قضايا الاتصال والحوار الحضاري
المصدر: وكالات