نقاش وطني من أجل تطوير المسرح المغربي التقت فيه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بحضور وزيرها، مختلف الفاعلين المسرحيين، وهيئات أب الفنون، وفاعلين متابعين من باحثين وصحافيين.
وبأحد فنادق مدينة سلا، اليوم الإثنين، توالت الكلمات، والتعقيبات، والاقتراحات، في يوم دراسي قال السينوغراف طارق ربح إنه “منطلق حقيقي لاسترجاع المكتسبات، والتعبير عن أفق أرحب للمسرح”.
وجاء في كلمة حسن حموش، رئيس الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، أن مستقبل الحركة المسرحية يحتاج “تصورات كبرى تخرج من البؤس واليأس، لإصلاح وتجديد القيم داخل مجتمعنا”.
وأضاف حموش: “هذا اليوم الدراسي يطرح سؤال جدوى وغاية الدعم المسرحي”، قبل أن يسترسل متحدثا عن المقاربة الاجتماعية للدعم الرسمي للمسرح، بين كونه “صمام أمان” واعتباره “ريعا يعرقل المستفيدون منه الإصلاح”؛ كما انتقد “الاقتصار على المقاربة الإحصائية” في الحديث عنه.
وباسم جمعية خريجي المعهد الوطني للفن المسرحي والتنشيط الثقافي تحدث المسرحي أمين ناسور عن الحاجة إلى “تجاوز الخلافات، والاجتماع، والنية الصافية، من أجل نجاح مسرحنا اليوم”، كما ذكر أن قناة التواصل بين المسرحيين والوزارة الوصية “هي مديرية الفنون، وإذا اختلت لن تصل طموحاتنا وانتظاراتنا”.
طارق الربح، عن لجنة فعاليات مسرح الشارع، تحدث عن مسرحيي الشارع بوصفهم “فئة من أحدث فئات المجال المسرحي، وأهمها، وأكثرها هشاشة”، وواصل: “هي إضافة نوعية جديدة ومجددة للمسرح المغربي والمشهد الثقافي للبلاد، وسياسيا هي من الأهم في دمقرطة المجال العام المغربي، علما أنه حضاريا نحن بلد يتوفر على مؤسسات ثقافية ومصالح القطاع الوصي، وينخرط في إحداث المؤسسات الكبيرة مثل المسارح”، وهو ما قابل بهشاشة الفاعلين في هذا الشكل التعبيري.
وتابع المتحدث ذاته: “قطاع الثقافة يعترف بهذه الفنون، لكن دعمها يسمه بعض الارتباك (…) وكأننا نخلف موعدنا مع التاريخ لدعم هذه الفنون، وحضورها في المهرجان الوطني. ونحتاج تقدير المظاهر الجديدة لتقدم هذا الشعب، حتى تندمج بشكل طبيعي في المشهد العام الثقافي المغربي.. ولا ينبغي أن تكون اللجان (الخاصة بالدعم) مرتعا للعاطلين من المسرحيين”.
أما الكاتب المسرحي عز الدين بونيت فتلا المخرج المسرحي عبد المجيد فنيش أرضيته لليوم الدراسي، التي قال فيها إن “البحث عن آليات تطوير المسرح المغربي بين التجديد والابتكار بحث محمود، وقد يكون علامة على الحيوية واليقظة، لكنه يكون عميقا دون نقد مستمر للممارسة والمخططات والبرامج، لمعرفة مكامن القوة والضعف، تحديدا مبنيا على أرضية دقيقة لا الانطباعات والتوهمات”.
ودعت الأرضية إلى “توسيع مجال التدخل العمومي من أجل البيئة المسرحية الحاضنة”، مردفة: “لا يمكن تحميل المسؤولية للفاعلين المبدعين فقط، بل يحتاجون رعاية لكل مجالات المشهد، مع التخطيط، علما أن الممارسة المسرحية لا تبدأ بالتدريبات ولا تنتهي بإعداد المشروع، بل يسبقها المشروع المسرحي”، ورصدت أيضا وجود “تصور غامض للنموذج الاقتصادي للمسرح”، في ظل عدم توفر “الفرق المسرحية والإدارة المسرحية على خبرة تقييم حقيقي للدعم، بناء على دراسة للجدوى، لأن معرفتهم الحقيقية في المجال المسرحي والمعرفة الإبداعية”.
وسجلت الورقة غياب تقييم بعد أكثر من عقدين على الدعم حول العلاقة مع الجمهور وعوائقها وكيفية تطويرها، ووجود “قرارات إدارية عقيمة، أفرغت مكتسبات من معناها”، ومشاريع أوقفت دون تفسير مثل “دعم التوطين”، ودعت إلى “إعادة إحياء مواعيد مسرح الهواة، وإحداث جوائز تشجع الإبداع والابتكار في الحياة المسرحية”، و”تطوير المهرجان الوطني للمسرح، وإحداث مؤسسة لتدبيره وتطوير شقه الرسمي والموازي”.
نعيمة زيطان، عن مسرح أكواريوم، ذكرت أن النقاش تتكرر فيه أسئلة وطموحات وإشكالات عبر عنها منذ إحداث قسم الفنون سنة 1994، وأضافت: “رجال ونساء المسرح يحتاجون كثيرا من رد الاعتبار والتحفيز، ليزيد القطاع إلى الأمام”، مردفة: “الدولة المغربية تدعم كل شيء، وتدعم قطاعات رغم فشلها (…) ثم لما نصل إلى المسرح نطرح تساؤلات حول المردود والمجانية. المداخيل مهمة لكن ما الذي نعده للجمهور؟ وهل يتوجه المسرح للمدارس العمومية، ففيها جمهور الغد؟ وعلى التلاميذ أن تأخذهم الزيارات إلى العروض مثلما يزورون المتاحف”.
ومن بين ما ركزت عليه المداخلة “علاقة الفرق المسرحية بالمؤسسات الوصية، مثل المسرح الوطني والقنوات التلفزية العمومية”، قبل أن تزيد: “في هذه العلاقة الكثير من المزاجية، وجبر الخواطر، دون علاقات مبنية على دفتر تحملات واضح. وهناك لجان نقدرها لكنها لا تقدر أحدا في اختيارات التلفزة، دون جواب عن سبب الرفض. وإذا كنا نخبَر بوجود خط تحريري ونحن أبناء الوطن ونعرف الثالوث المحرم، ونحترم مقدسات البلاد، فهناك وطنية زائدة، ومزايدة في حب الوطن”.
وطالب سعيد أبرنوص، عن فرقة تيفسوين للمسرح الأمازيغي، بـ”معاهد جهوية، أو على الأقل ملاحق لمعهد الرباط؛ لأن عددا من طاقات الريف والصحراء والجنوب الشرقي والشرق تريد أن تؤطَّر، وتشتغل في المجال بطريقة ممأسسة، لكن الرباط بعيدة مع الأسف”.
وواصل أبرنوص: “منذ زلزال 2004 بالحسيمة (…) كانت هناك مواكبة لحركية المجتمع المدني والمجالس المنتخبة، ونحتاج اليوم فهما واستيعابا من المجالس المنتخبة، ونحتاج اتفاقية شراكة تعزز حضور المكون الأمازيغي، الذي يميزنا كمغاربة، فلنا مشتركات مع المنطقة هي العربية (…) وتميز تمغرِبيت، وجزئها تمازيغت، ودبلوماسيتها الثقافية في العالم يكون عبر ما يميزها”.
هاجر الحاميدي، عن مسرح “أكون”، قالت إن الفرقة “قائمة ومستمرة بفعل دعم وزارة الثقافة، وتعيش مشاكل بسببه أيضا (…) ولا نجاح إلا بلقاء الجمهور الواسع”، مردفة: “إلى اليوم، ورغم التتويجات لا مكان ثابتا للفرقة. ونشكر احتضان مسرح ‘أكواريوم’”، وزادت: “لا نتوفر على قاعة للتدريبات، ومكان لوضع الديكور والألبسة، ونتدرب في سطح كما حدث في المسرحية الأخيرة ‘حدائق الأسرار’، ورغم إرادتنا ومجهوداتنا لا يمكن اعتبارنا فرقة محترفة”.
وطرحت المتدخلة إشكال “تقاسم الدعم بين فرق جدية وفرق غير جدية”، قائلة: “نحن ضحايا البيروقراطية، ومشكل مديرية الفنون نعرفه، ونشكر قسم المسرح الذي يفتح بابه”.
الباحث سعيد الناجي ذكر من جهته أن “الدعم خلق ممارسات من بينها بحث عن الريع لدى فرق، وساهم في تشتيت العمل النقابي بطريقة أو بأخرى؛ كما أنه لا يكفي ولا يغطي المصاريف، ولا يضمن الاستقرار”، واسترسل: “نحتاج برنامجا للإنتاج المسرحي، وأن ندخل إلى مرحلة إطلاق مشروع للإنتاج المشترك… المسرح والفنون قوة ناعمة للدفاع عن مصالحنا كدولة، ونحن ضعفاء في هذا”.
الناقد محمد بهجاجي نبه إلى ارتباط المسرح بـ”الوزير، وديوانه وعلاقته بالمسرح، وهذا في الممارسة يجعل القفزات مرتبطة بتعاقب الوزراء وحوارهم مع المعنيين بالأمر، وطبيعة فريق مستشاريهم”، ثم استدرك قائلا: “المخاطب بالمسرح ليس وزير الثقافة فقط، نحتاج هيئة وطنية؛ ‘مجلسا أعلى’ أو ‘مركزا’، ليس بيت مال فقط، بل هيئة نمأسس من خلالها الدعم العمومي”.
مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، ذكر أن “الدعم له محددات قانونية أساسية آتية من الاتفاقيات الدولية، والفصل 26 من الدستور، ومنزّلة في الإجراءات القانونية التي ينبغي أن تسير بالشكل الذي يجب أن تسير به، دون حاجة إلى رأي فلان أو علان؛ فهناك اتفاقيات دولية وتكليف دستوري”، وتابع: “الثقافة لم تكن جزءا من اهتمام الدولة والمؤسسات كخدمة عمومية منذ الاستقلال إلى نادرا، ولو أنه كان إنتاج ثقافي ومثقفون، لكن السياسات الثقافية لم تكن لها هيكلة قوية كما هي الآن. وبدأت حكومة التناوب بالدعم المسرحي ومبادرات محدودة حول السينما، وتطور مفهوم الدعم كإعانة ومساعدة اجتماعية وظرفية، وترسخ هذا في العقليات الفنية والإدارية، في حين أن الدعم ليس هو هذا على الإطلاق”.
ثم شرح المتحدث ذاته: “الدعم العمومي نوع من الاتفاقيات التي تمنح الدول استثناء الثقافة من التحرير، أي إنه ينبغي أن تتدخل الدولة في القطاع الثقافي عن طريق الدعم، وهو إجراء دولي لحماية الثقافة الوطنية، والتعدد والتنوع، ومنافع ثقافية وتنموية، لكن هناك عدم الانطلاق من هذه الخصوصية على مستوى السياسات العمومية، التي هدفها المجتمع، وأن يشاهد الناس المسرح والسينما والتلفزة؛ فالدعم وسيلة لا غاية في حد ذاتها”.
الناقد المسرحي بوسرحان الزيتوني قال بدوره إن “هناك فرقا كبيرا بين الحديث عن الآفاق الإستراتيجية وطبيعة هذه الجلسة، التي المهم فيها هو معالجة ما ينبغي أن يقع الآن وغدا؛ أما الآفاق فتحتاج نقاشا حقيقيا وشاقا، من الصعب أن تستجيب له الدولة، وفي هذا معركة مع الطرف الآخر أو الأطراف ومع الذات، لأننا أيضا جزء من المشكلة لا من الحل فقط”، وزاد: “للدولة تصور ثقافي، ولا ينبغي أن نكون متسكعين، بل ينبغي أن يكون لنا حوار حقيقي معها؛ فالأجيال تطورت، ونملك الآن ما لم نكن نملكه من قبل، أي تجارب مسرحية حقيقية، ووجودا إبداعيا حقيقيا، ومشاريع مسرحية حقيقية، فالوعي تطور بشكل أكبر من السابق…”.
المصدر: وكالات